المشكلة في فساد النخب

تم نشره الجمعة 16 أيلول / سبتمبر 2011 02:04 صباحاً
المشكلة في فساد النخب
رحيّل غرايبة

الضمير الشعبي العام دائماً يؤشر نحو الحقيقة, ويتجه نحو الفضيلة; لأنّ الشعب بمجموعه لا يتواطأ على الخيانة, ولا يتوافق على الكذب ولا يجمع على ضلالة أو باطل ولقد عصم الله الأمّة بمجموعها, ولم يجعل العصمة لفرد, لذلك ورد في الحديث: " لا تجتمع أمّتي على ضلالة".

وتأسيساً على هذه القاعدة, ينبغي أن نعلم أنّ المجموع العام يتجه دائماً نحو الصواب, فلا يجوز الإساءة إلى التوجه العام, أو الحط من قدره, ولا يجوز التجرؤ على وصف اجتماع الناس بالغوغاء أو السفهاء أو بادي الرأي, ولذلك فإنّ بعض من ينتسب إلى عالم الكتابة أو الصحافة أو السياسة, قد أصابه مرض انتفاخ الذات, وتضخم الأنا, إلى تلك الدرجة التي تجعله ينحط إلى درك الإساءة إلى أمّة بأكملها, ويصدر أحكامه القزمية على ثورة الشعب بأكمله, بطريقة فجّة تخلو من الكياسة.

إنّ ثورة النهوض العربي التي بدأت بوادرها مبكراً تحت مسمّى الصحوة, تعرضت إلى عرقلة شديدة, وحرب أممية ضروس من مختلف القوى المعادية, تعاضدت فيها الدول الاستعمارية مع النخب المتغربة والأنظمة المستبدة الفاسدة والحركات الحاقدة التي انسلخت عن هويتها وثقافتها وحضارتها, وكانت الحرب والمواجهة على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والأمنية والفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

وقد استطاعت بلا شك عرقلة هذه الثورة النهضوية الشاملة, واستطاعت تأخير نتائجها عقوداً من الزمن, ولكن في نهاية الأمر بقيت جذوة الثورة التحررية مشتعلة في نفوس الأجيال المتتابعة التي بقيت تحمل همّ هذه الأمة التي فُرِض عليها التخلف والفرقة ردحاً من الزمن, وتحمل معالم المشروع النهضوي العربي الإسلامي, الذي يستمد قيمه من رسالة هذه الأمّة العظيمة وحضارتها وثقافتها السامية الذي يتسم بالاستقلالية ومحاربة التبعية للغرب أو الشرق على درجة سواء, ليعيد صياغة حضارة عربية إسلامية ذاتية صحيحة, تقدم للعالم والبشرية نموذجاً جديداً يجمع بين العدالة والأصالة والفضيلة من جهة وبين الحداثة والتطور والإبداع من الجهة الأخرى.

إنّ ثورة النهوض العربي التي بدأت تؤتي أكلها في كل من تونس ومصر وليبيا, ومن ثمّ اليمن ثم سورية الحبيبة, لم تنج من عواقب الحرب والمواجهة من تحالف الأعداء سابق الذكر, فقد هرعت الدول الغربية لتتملق الشعوب العربية وتحاول أن تمد لها يد العون المسمومة, بعد أن كانت قد أعلنت أمريكا (حرب القرن) على العالم الإسلامي تحت مسمّى (الحرب على الإرهاب); لتحارب الإسلام وكل الحركات الإسلامية التي تنشر الوعي واليقظة في صفوف الجماهير العربية المقهورة من أجل الثورة على الظلم والفساد والقهر والاستبداد المتمثل بأنظمة عميلة تابعة للمستعمر تبعية كاملة, واستعانت بالأنظمة لقهر الشعوب, وحاولت وما زالت تحاول تجفيف منابع اليقظة الإسلامية وتشوّه سمعتها بطرق ذكية.

لقد تبيّن أصالة الشعوب العربية, وأصالة معدن هذه الأمّة التي تختزن في أعماقها رسالة التحرر والتحضر والكرامة والإرادة, لتنبثق من جديد, تنفض غبار التخلف, ورماد التبعية, وتنطلق بثورة الفكر والوعي وثورة التمرد على الطغاة الفاسدين, وفي الوقت نفسه بان فساد بعض النخب, التي تتولى زمام الأدب والصحافة والكتابة, التي تعيش على الارتزاق, فأخذت تدين للجلاد, وانسلخت عن هموم الشعوب وطموحاتها, ويا ليتها سكتت وصمتت, بل أخذت تكيل الاتهامات للشعوب بأنّها متآمرة وعميلة.

كان حقاً على النخب أن تقود ثورة الوعي, وثورة التحرر الفكري والثقافي, الذي يقود جموع الأمّة نحو الحرية التامّة, من أجل استعادة الشعوب حقوقها المسلوبة, وكرامتها المهدورة, ومن أجل الإمساك بقوة التغيير والإمساك بالقدرة على اختيار الحكومات ومراقبتها ومحاسبتها واستبدالها, وكان حقاً على النخب أن تشعل نار اليقظة, وتزيد مساحة الوعي تجاه المتربصين بثورات الشعوب وهم كثر سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

إنّ أولئك الذين ينتسبون إلى بعض النخب "المثقفة" ولكنّها لا تنتمي إلى فكر هذه الأمّة, ولا إلى رسالتها, ولا إلى حضارتها, ولا إلى هويتها وثقافتها, والذين عاشوا في أحضان الفكر المستورد, فانسلخت عن هذه الأمّة واقعاً وثقافة وإحساساً, لن يكونوا قادرين على فهم حركة الأمّة وثورتها ونهضتها, وسوف يقذفونها بأقذع الأوصاف وأحط النعوت, إلى تلك الدرجة التي تجعلهم يبرئون الأنظمة من التبعية والتآمر, لتصف الشعوب وثوراتها بالتآمر والخيانة والعمالة للخارج, وهل يعقل أن يكون الشعب كله أو أغلبه عميلاً ومتآمراً ومرتبطاً بالخارج. (العرب اليوم)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات