الجامعات العربية والتصنيف العالمي

في تصنيف الجامعات على مستوى العالم للعام 2011م, لم يكن وجودٌ للجامعات العربية في أول خمسمئة جامعة, سوى لثلاث جامعات, جامعتان سعوديتان, وجامعة مصرية, جاءت في الترتيب بعد الثلاث مئة والأربع مئة, وكانت حصة الأسد في هذا الترتيب للجامعات الأمريكية, فقد كان لها ما يزيد على خمسين جامعة في المئة الأولى وحدها.
كما أنّ إحدى الجامعات "الإسرائيلية" احتلّت المرتبة (57) متقدمة على كل جامعات العرب العريقة مئات المراتب, فجامعة القاهرة مثلا جاءت بالمرتبة (401), والتي تُعدّ من أقدم جامعات العالم.
شيء محزن للغاية أن يكون وضع الجامعات العربية, بهذا المستوى المتردّي علميّاً وأكاديميّاً, والشيء الأكثر حزناً أن يكون هذا التردّي سمة عامة لكل الدول العربية الغنية والفقيرة, وما يدعو إلى التساؤل والدهشة ما الذي يمنع جامعات العرب من التقدم على مستوى التصنيف العالمي, خاصّةً في الدول الغنيّة مثل دول الخليج, التي تملك صناديق للفائض النقدي بال¯"تريليونات", بعد هبّة الارتفاع الشديد بأسعار النفط.
إنّ الوقوف على علّة تخلف الجامعات العربية, يجعلنا نقف على علّة الأمّة كلها, المتمثلة بعلة "الفساد" التي ضربت السياسة وضربت الاقتصاد, وضربت العلم والتربية, وضربت البحث العلمي, وضربت الاجتماع وحتى الرياضة.
إنّ الفساد الذي طال أنظمة الحكم, جعل العلّة في (الرأس) المحرك والمدبر للامّة, فتم تقريب الأغبياء وإبعاد الأذكياء, وتمّ التمسّك بالعجزة وإبعاد الأكفياء, وتمّ تقريب الفاسدين وإبعاد الأمناء المخلصين, وليس هناك فساد أعظم من عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب; لأنّه من هنا تبدأ سلسلة مترابطة متراكمة من حلقات الفساد التي لا تنتهي تطال بنية الدولة الأساسية فتجعلها هشيماً تذروه الرياح.
أبرز العيوب في جامعاتنا العربية, هو التدخل الخارجي في التعيينات والترفيعات والترقيات ومناصب الإدارة, بحيث تختل المعايير الحقيقية في تقويم الشخصية العلميّة لعضو هيئة التدريس, فبدلاً من النظر إلى مستواه العلمي وقدرته على الأداء وقدرته على البحث العلمي والإبداع والابتكار, يتّجه النظر إلى ولاء الشخص للسلطة الحاكمة, ويتجه النظر إلى آرائه السياسية وميوله الفكرية, بغض النظر عن مستواه العلمي, ومستوى قدراته الذهنية, وبغضّ النظر عن أدائه المتميّز في مهنته وعمله, وأصبحت التعيينات والبعثات الدراسية حسب الصداقات والوساطات والمحسوبيات والشلل على حساب مستقبل الأجيال ومستقبل العمليّة التدريسية والبحثيّة برمّتها.
ولذلك أصبح العرب يملكون مئات الجامعات, ويخرجون مئات الآلاف والملايين من حملة الشهادات الجامعية والعليا, ولكن بلا أثر حقيقي ملموس على مستوى الحياة وتقدمّها في العالم العربي, بينما نجد أنّ بعض الأفراد العرب الذين درسوا في الجامعات الغربية وصلوا إلى مستويات متميزة على صعيد تخصصاتهم العلمية الراقية, وربما لو بقوا في عالمنا العربي, لكانوا يتسولون على أبواب الجامعات والدوائر الأمنيّة يبحثون عن مكان أو موقع في أي جامعة وطنية حكومية أو خاصة.
إنّ ترهل الجامعات, وفساد إداراتها, وضعف الهيئات التدريسية وضعف البحث العلمي وتردّيه, يؤدي إلى ضعف البنية العلمية بأكملها, ممّا يجعل ذلك ينعكس على الحياة كلّها بجميع مجالاتها وأصعدتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
نحن بحاجة إلى (ثورة بيضاء) تجتاح المجتمعات العربية كلها على الصعيد النفسي والفكري والثقافي والتربوي والعلمي; من أجل إعادة ترتيب بناء الأمّة كلّها على أسس سليمة بعيداً عن الفساد المؤذن بخراب العمران.(العرب اليوم)