الإسلاميون وأمريكا والتصيّد الصحفي

يتم بين الحين والآخر تسريبات صحفية تشير إلى لقاءات بين قيادات إسلامية ومسؤولين أمريكان, ويستغل بعض الصحفيين هذه التسريبات لإثارة زوبعة إعلامية, تتداخل فيها الاستنتاجات والأفهام والأحقاد ليخرج علينا مزيج عجيب من الفبركة الصحفية التي يقصد منها التشويه والاغتيال, وتعكير الأجواء السياسية, وإثارة نقاط الشك والريبة بين الحركة الإسلامية وجمهورها, ومنها الحديث عن لقاء بين المراقب العام ومسؤول أمريكي كبير في تركيا, كما تمّ الحديث عن لقاء بالمصادفة بين رحيّل غرايبة ونبيل الكوفحي وبعض موظفي السفارة الأمريكية في إحدى الدعوات, ولم أجد أي حاجة تستدعي الردّ أو المماحكة, ولم أجد فيما نشر ما يستدعي مجرد التوقف.
لكن ومن أجل مزيد من توضيح الأمر; فبالنسبة لقرار الحركة الإسلامية القاضي بقطع الحوار والاتصال مع الإدارة الأمريكية فقد تمّ عام (2003م) على إثر الاحتلال الأمريكي للعراق, وإعلان اليمين المتصهين الأمريكي حرب القرن الواحد والعشرين على الإسلام تحت ستار الحرب على (الإرهاب), وكان هذا القرار عبارة عن موقف سياسي ورسالة سياسية للإدارة الأمريكية. وأرجو أن أؤكد في هذا المقام أنّ الحركة الإسلامية لم تستخدم مصطلحات الشيطان الأكبر أو الأصغر الذي استعمله بعض الذين امتهنوا الصحافة, وليرجعوا إلى أدبيات الحركة الإسلامية, كما أنّ قرار الحركة الإسلامية بهذا الخصوص قرار ذاتي, ليس تملقاً للشارع ولا لبعض الاتجاهات والأفكار الأخرى, ولا يحمل ثوباً أيديولوجيّاً أو دينيّاً, ولم تستخدم الحركة الإسلامية لغة التجريم أو التخوين لكلّ من يحاور الإدارة الأمريكية أو يتصل بها.
ولمزيد من التوضيح فأنّ الحركة الإسلامية أبقت المجال مفتوحاً للحوار مع رجال الصحافة والإعلام, والباحثين والدارسين الأمريكيين, والطلاب وأساتذة الجامعات الذين يتوافدون بشكل دائمٍ ومستمرٍ للوقوف على رأي الحركة الإسلامية الحقيقي المعلن, والمنشور للجميع بلا استثناء, ولذلك بقي صوت الحركة الإسلامية مسموعاً ومنشوراً وواضحاً, لا نفاق فيه ولا تملق ولا لبس ولا ضبابية لمن يريد البحث بموضوعية وإنصاف وبطريقة صحفية مهنية سليمة, بعيداً عن منهج التصيّد القزمي الفجّ.
وعندما تغيّرت الإدارة الأمريكية, وجاء الرئيس (أوباما), استبشر العالم الإسلامي والحركة الإسلامية جزء منه, بايجاد تغيّير في السياسات والمواقف الأمريكية تجاه العالم الإسلامي, ورحّب قطاعٌ كبير من العالم الإسلامي بخطاب (أوباما) في القاهرة الذي أُعلن فيه فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي, وايقاف لغة التحريض وإثارة الفتنة بين الشعوب والحضارات.
وأعلن العزم على الانسحاب من العراق, وتغيير مسمّى الحرب على الإرهاب, وتوالت الوفود الإعلاميّة والصحفية, ورجال الصحافة الأمريكان والغربيين عموماً على الحركة الإسلامية; من أجل الوقوف على رأي الحركة الإسلامية وموقفها الجديد من الإدارة الأمريكية الجديدة.
وأنا شخصيّاً قابلت عدداً كبيراً من هؤلاء, ولكنّي لم أستجب ولو مرةً واحدةً إلى لقاء مع أي مسؤول حكومي; التزاماً بقرار الحركة وما تمّ الإعلان عنه من لقاء (المصادفة), لا علم فيه مطلقاً لا قبل ولا بعد, وأودّ أن أصارح الجمهور الأردني بأنّ موقفي من خطاب الرئيس الأمريكي في القاهرة كان ايجابيّاً, ولكن بشرط أن يتمّ تطبيقه على الأرض بخطوات فعليّة, بمعنى آخر: أنّ تغيير موقف الحركة الإسلامية مرتبط بانسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان, ووقف الحرب على الإسلام, وتغيير الموقف المنحاز والدعم اللامحدود ل¯ (إسرائيل), والتوقف عن دعم ومساندة الأنظمة الفاسدة والمستبدّة في العالم العربي.
من هنا لم يتغير موقف الحركة الإسلامية من استئناف الحوار مع الأمريكان حتى هذه اللحظة, أمّا بخصوص ما نشر في وثائق ويكيليكس, فيمكن مناقشة الأمر من حيث الشكل, ومن حيث المضمون.
من حيث الشكل; ليس هناك ما يشير إلى أي لقاء رسمي بين قيادات الحركة الإسلامية ومسؤولين في الإدارة أو السفارة على الإطلاق, لا داخل السفارة ولا خارج السفارة, كما تشير البرقيات, وإنّما أشارت إلى لقاء تمّ (مصادفةً).
ومن حيث المضمون لم يكن هناك ما يشير إلى أيّ مضمون يخالف الثوابت الوطنية والإسلامية, وإنّما هي محاولات مغرضة تأتي في هذا الوقت من أجل تشويه صورة الحركة الإسلامية وقدرتها على التأثير في حراك الشارع العربي الناهض ضد الاستبداد والفساد.
والمشكلة تكمن في تبعية الأنظمة العربية للإدارة الأمريكية وتقديم العون والمساعدة المادية والعسكرية واللوجستية لقوات الاحتلال الأمريكي لأقطار عربية وإسلامية, وتقديم المعلومات لوكالة الاستخبارات الأمريكية في متابعة الإسلاميين الناشطين, وليست المشكلة في الحوار المجرّد الذي يخلو من العمالة والارتباط السياسي.
ونجد أنّ هؤلاء الصحافيين والإعلاميين تعمى أبصارهم تجاه هذه الحقائق, ويتصيدون أي موقف للإساءة إلى الحركة الإسلامية وقياداتها, بعيداً عن الأفكار والمضامين!!.(العرب اليوم)