العقبة مدينة التآخي والوحدة الوطنية؟

لعل مدينة العقبة هي الاكثر وضوحاً في تصوير النسيج الاجتماعي الاردني لطبيعتها المختلطة والممثلة للبر والبحر..
هذه المسألة ليست جديدة فقد جاء في العهدة المحمدية الموقعة بين الرسول محمد (ص) وبين أمير آيلة (العقبة) حنا بن رؤبة حين كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في غزوة تبوك وقد استقبل امير العقبة الاسقف الغساني وقد جاء في مضمون العهدة التي نشرتها كتب التاريخ القديمة ان الامان المعطى هو لأهل آيلة المكونين من أهل البر وأهل البحر وأهل اليمن وأهل الشام (رحلة الشتاء والصيف) وهذا دليل على اختلاط المدينة وتنوع سكانها منذ بداية القرن الاول الهجري أي قبل أكثر من 1400 سنة وقد كانت هذه المدينة التاجرة التي عرف ميناؤها صناعة السفن منذ ذلك الوقت حيث استوردت الأخشاب من لبنان وقد كان يصلها خشب الارز الذي يتحول في آيلة الى سفن كانت تمخر البحر لتحمل تجارة جنوب آسيا الى دول أوروبا ومدن كجنوة والبندقية ومواقع أخرى عبر البر في سيناء ثم البحر المتوسط..
كانت العقبة التي تسترجع الآن تاريخها ومجدها في هذا الوقت مدينة يلتقي فيها التجار والصناعيون والعمال والمهرة والبناءون والنساجون وصانعو السيوف والأسلحة القديمة من أهل الشام وأهل اليمن وهم من ارادت عهدة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ان تنظم حياتهم وقد فعلت حين طلب من الاسقف ان لا يمنع الناس القادمين الى العقبة من ماء يردونه او طريق يريدونه من بر أو بحر..وقد استطاعت هذه العهدة ان تبقي اتباع الاسقف حنا بن رؤبة في بلدهم ايله وقراها وجوارها وعلى طول امتداد الاردن في هذا «الكرادور» الذي عبره الفتح العربي الاسلامي ليصل الى الصين شرقا والى الاندلس غربا.. وقد ظلت هذه العهدة سارية المفعول الى زمن عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي..
اليوم تعود العقبة ومنذ اكثر من عقد من الزمان لتسند ما تنجز الى جذر تاريخي يعكس هويتها التي تمثل الوحدة والتآخي..
قليلون يدركون عمق تاريخ هذه المدينة واهميتها منذ حملت اسم (ايله) وهو اسم ابنة مدين ابن ابراهيم عليه السلام وقد اعطاها البحر هوية تجارية كما اعطاها الموقع هوية اقتصادية وقدرة على الربط في المحيط والاقليم..
العقبة الان بحاجة الى تأكيد ما بدأه فيها الملك عبدالله الثاني منذ عشرسنوات حين جعلها منطقة اقتصادية خاصة، وقد بدأت تثمر وهي تعد بالمزيد من الثمر اذا ما تعهدتها ارادات مخلصة وجهد موصول وتشريعات واضحة واذا ما توقف التشكيك وعقلية الانقلاب التي ظلت تعمل على النيل من كل انجاز او اعادته الى نقطة الصفر او انكار الجهود المتراكمة.
يجب الدفاع عن ما انجز في العقبة ويكفي ان يرى الزائر انجاز مشروع ايلة وتعمير وتالابي وحتى سرايا وعشرات المشاريع الاخرى ليدرك حجم النقلة التي عرفتها العقبة.. والتي لا يجوز ان يسمح لاحد ان ينال منها تحت دواعي وذرائع غير مفهومة.. (الرأي)