عن المعارضات .. شباباً وكهولا

في اليمن، اشترط الرئيس "المحروق" علي عبدالله صالح، رحيل المعارضة أولاً، لكي يقبل بالترجل عن كرسي الرئاسة الذي جلس عليه لأكثر من ثلث قرن، إن لم يرحلوا ويمنعوا من الترشح لأية مناصب مستقبلاً، لن أترجل ولن أوقع المبادرة الخليجية، الرئيس لا يريد أن يرى صورة أي من خصومه في الأخبار، بعد أن يحتجب عن الصدور، وتغيب صورته عن الأضواء، ثمة طرف ثالث يتعين عليه أن محل الفريقين، البعض يفترض أنه جيل الشباب، أما أنا شخصياً، فلا أحسب أن صالح كان يقصد ذلك.
في الأردن، خاطب "معارض بارز" شباب الحراك، أو حراك الشباب، بأن لا يصغوا لكلمة واحدة من "شيوخ المعارضات القديمة وكهولها"، بمن فيهم هو شخصياً، إن هي تعدت "النصيحة"، لكأنني به يقول بأن أزمة المعارضة هي الوجه الآخر لأزمة النظام، أو أن طريق هؤلاء لن تفترق عن طريق ذاك، أو أي شيء على هذا النسق والشاكلة.
في مصر، هناك من يحدثك عن "ثورة الفيسبوك"، لكأنها ثورة "افتراضية" في "عالم افتراضي"، لا ثورة شباب ورجال ونساء وشيوخ، "شباب التحرير" يراد لهم أن لا يكونوا في موقع النظام الذي ثاروا عليه وأسقطوه، وهذا امر لا جدال فيه، لكنهم أيضاً مطالبون بالنأي بأنفسهم عن "المعارضة التقليدية" وأحزابها البائسة ومجتمعها المدني "الهجين".
وفي سوريا، هناك من يقيم حواجز وجدران اسمنتية بين معارضة قديمة واخرى جديدة، داخل وخارج، شبان وكهول، الكل غير راض عن الأنظمة، الكل غير راض عن المعارضات، الكل يتحدث عن "الشباب" لكأنهم نسيج وحدهم، لا تعرف من أين جاءوا أو أين سيذهبون.
إن كان المقصود بهذه الدعوات، تجديد شباب المعارضة وضخ دماء جديدة طازجة وفوّاره في عروقها المتيسبة، فهذا مقبول ومطلوب، إن كان المقصود بهذه الدعوات أن يتجاوز الجديد القديم، وأن يبني عليه، فهذا أيضاً مقبول ومعقول، لكننا نلمس رائحة طلاق بائن بينونة كبرى، لا مع النظم القائمة فحسب، بل ومع المعارضات التاريخية التي شغلت الساحات والميادين، لسنوات وعقود خلت.
مشكلة في هذه الأطروحات التي تدعو لهدم القديم وهجره، أنها لم تفض إلى انبثاق الجديد، فلا "شباب التحرير" أمكن له أن يوحد نفسه ويصوغ مرجعيته ويبتني لنفسه نهجاً مغايراً ويشتق لحراكه "خريطة طرق جديدة"، ولا حراكات الشباب، أو شباب الحراكات في الأردن، فعلوا أمراً مماثلاً، وكذا الحال بالنسبة لساحة التغيير وشبابها المرابطين بعشرات الأولوف لأكثر من ثمانية أشهر متتالية، فيما علي عبدالله صالح يبشرهم بأن "فاتهم القطار".
نحن نتمنى أن ينجح شباب ربيع العرب في وضع المعارضات العربية على سكة جديدة، أن يعيدوا بناءها وهيكلتها، بل وأن يفككوها ويعيدوا تركيبها، لكن إن تعذر القيام بأمر هكذا، فهل من الحكمة أن نكتفي بهدم القديم، دون أن نضمن النجاح في بناء الجديد، أليست هذه دعوة للسقوط في "الفراغ"، عن قصد أو من دونه.
ثم، أليس شباب الربيع العربي، جُلّه على الأقل، هو الابن والوريث الشرعي لتيارات المعارضة التاريخية، حتى وإن خرج عليها أو من دون إذنها، أليسوا إسلاميين ويساريين وقوميين ووطنيين وليبراليين، يشكلون امتداداً لهذه المدارس والتيارات الفكرية والسياسية، ألم يلعب الآباء المؤسسون للمعارضات العربية، دوراً مؤثراً في "مشاغلة" الأنظمة والحكومات العربية لسنوات وعقود، ألم تنضج نضالات هؤلاء وأؤلئك شروط "ربيع العرب" وتوفر له كل المقدمات الضرورية لانبلاج فجره، ألم تشهد مختلف المدن والساحات والميادين العربية، مئات الاعتصامات والاحتجاجات والإضرابات المطلبية والسياسية التي فتحت الطريق لربيع العرب، ألم تستنفد السجون العربية طاقتها الاستيعابية وهي تستضيف المئات والألوف من نشطاء المعارضات التي نهجو اليوم، أليست المعارضات اليوم، هي امتداد لإخوان وشيوعي وبعثيي وناصريين وليبراليي ويساريي أيام زمان، أنظروا من الذي كسّر هيبة نظام مبارك توطئة للإطاحة به، اليست جماعة الإخوان ويساريي مصر و"كفايتها" وغيرهم من نقابيين وحقوقيين.
ثم، أن هؤلاء الشبان الذين نزلوا إلى الشوارع بوعي سياسي وحقوقي متطور، هل كانوا نبتاً شيطانياً، أليسو هم أنفسهم نشطاء المجتمع المدني وجيل حقوق الإنسان وثقافة الديمقراطية والحرية، التي ضجت بها المدن والعواصم العربية خلال العشرين سنة الفائتة، لا أدري لماذا يُراد لنا أن نقيم سوراً صينياً بين شباب الربيع العربي وشيوخه، بين معارضة قديمة وأخرى جديدة، بين أحزاب وحراكات ومجتمع مدني، مع أن الجميع في سلة واحدة، سلة ثورة العرب وربيعهم المورق.(الدستور)