مرة أخرى.. حول «مبادرة دول جوار سوريا.. زائد»

تم نشره الأحد 09 تشرين الأوّل / أكتوبر 2011 02:09 صباحاً
مرة أخرى.. حول «مبادرة دول جوار سوريا.. زائد»
عريب الرنتاوي

ثمة «فراغ سياسي» قاتل، يحيط بالأزمة السورية من جهاتها الأربع، لا مبادرات ولا تحركات، لا أحد يأخذ على عاتقه مهمة شق «طريق التفافي» حول خيار القوة والحسم العسكريين، حتى لغة «الإنذارات» و»المهل الأخيرة» تدخل في سياق «رفع العتب واليد» و»تبرئة الذمة» من دم السوريين، وأحياناً تندرج في سياق التصعيد والضغط، مع أن البلاد السورية تنزلق بتسارع مذهل، نحو أسوأ السيناريوهات وأكثرها دموية.

لن نلومنّ أحداً على هذه النتيجة/ الاستعصاء، وحده النظام القائم في دمشق، من أضاع الفرصة تلو الأخرى، والمبادرة تلو المبادرة، والصديق تلو الحليف، ظناً منه، أن ما لم يتحقق بالقوة حتى الآن، سيتحقق باستخدام المزيد منها في الغد، وأن كل ما يحتاجه للإفلات بجلده، او الخروج بالبلاد من «النفق المظلم» الذي آلت إليه، ليس سوى المزيد من المهل و»فترات السماح» الإضافية، ولكم أظهر سذاجة وسطحية وهو يعلن المرة تلو الأخرى، أن المواجهة وضعت اوزارها أو تكاد، وأن «الأصعب بات وراء ظهورنا»، ليعود صبيحة الجمعة التالية، فيكتشف أن الأسوأ ما زال أمامنا وبانتظارنا.

في تركيا، وعندما تستمع إلى المسؤولين في مطبخ القرار وهم يستعرضون مراحل تطور الأزمة، تكتشف كم من الوقت قد تم إهداره في مناورات وألاعيب، تنتمي إلى عصور غابرة، تكتشف كم أن هذا النظام، منفصل عن الواقع الذي يغلي من حوله، وبصورة تذكرك، بالخطاب الرسمي العراقي عشية حربي الخليج الثانية والثالثة، تكتشف أن القوم في «غيبوبة» سياسية، ستنتهي بهم وبسوريا إلى ما لا تحمد عقباه، وهذا ما يزيدك اندهاشا فوق دهشتك.

حتى روسيا، التي أشهرت حق «الفيتو» في مجلس الأمن، والذي وصفته السيدة شعبان بـ»التاريخي»، تعود على ما يبدو، لمراجعة موقفها، فالتصريح الذي أدلى به ميدفيدف، يشبه التهيئة للتراجع عن الموقف، والالتحاق بغالبية الأطراف ذات الصلة، والتي تطالب بفرض مزيد من العقوبات، توطئة لاتخاذ مزيد من الإجراءات، ومن بينها الخيار العسكري، صحيح أن المعارضة السورية حملت على موقف ميدفيدف، لكن الصحيح كذلك، أن قراءة متأنية، بعقل بارد، للموقف الروسي، تنبئ -ربما- بقرب حدوث هذه التحوّلات، التي إن حصلت، ستبقي النظام، بلا غطاء ولا سند ولا حليف، والأرجح أن التحوّل في الموقف الروسي، سيحصل، وأن المسألة برمتها ليست سوى مسألة وقت.

لكننا في التجربة السورية لا نمتلك «ترف الوقت» لنضيعه في مناورات ومبادرات لا طائل من ورائها، فـ»الوقت السوري من دم»، وفي هذه النقطة بالذات، تبدو المعارضة السورية محقّة تماماً، كل يوم يسقط عشرات الشهداء والمصابين والمعتقلين، كل يوم يمضي على المأساة السورية، تزداد عذابات الناس تفاقما، وتزداد الأحقاد والضغائن، وترتفع كلفة التغيير والإصلاح في سوريا، بل وتصبح سوريا الدولة والكيانة والهوية والوحدة الوطنية، جغرافياً وديمغرافياً في خطر داهم.

المطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الذهاب إلى مبادرة سياسية إنقاذية، تُفرض على طرفي الصراع المحتدم والعنيف، مبادرة تضع في صدارة أهدافها إنقاذ سوريا، ومنع انزلاقها في أتون حرب أهلية طاحنة، مبادرة تمنع عن سوريا، كأس الخيار الليبي، مبادرة تحول دون «عرقنة» سوريا و»بلقنة» المنطقة.

مثل هذه المبادرة، لا يمكن «إنتاجها» أو حتى مجرد التفكير فيها، في أروقة مجلس الأمن أو دهاليز الأطلسي، هناك ستبدو الأولويات مختلفة كثيراً، الأطلسي، ومن خلفه مجلس الأمن المختطف بالهيمنة الأمريكية، سيكونان معنيين أكثر بحسابات «نظرية الأمن الإسرائيلية» ومندرجاتها، في حين أن أمن سوريا الوطني، والأمن القومي العربي من بعده وورائه، هو الذي يتعين أخذه بنظر الاعتبار، هناك «رائحة اللوبي والمال اليهوديين» الممسكين بزمام القرار في باريس وواشنطن، ستكون عامل الجذب المقرر للمواقف والسياسات والاستراتيجيات، تماماً مثلما كانت رائحة النفط النفّاذة، هي عامل الجذب الأكبر للتدخل الدولي في ليبيا، لا نفط مسيل للعاب في سوريا، ولكن من قال أن مصالح الغرب تتمثل في النفط وطرق إمدادها، وحدها دون سواها، ألم تكن إسرائيل، وجوداً وأمناً وتفوقاً، هي المصلحة العليا الثانية للغرب في هذه البقعة من العالم، وحتى قبل أن تفوح في الأفق، رائحة الذهب الأسود؟!.

شهادة ميلاد هذه المبادرة الإنقاذية يجب أن تصدر من الإقليم، ومن الإقليم وحده، مبادرة تطلقها تركيا، لدول جوار سوريا، مضافاً إليها مصر وإيران والسعودية، مبادرة لا تساوم مع النظام، بل توفر مخرجاً آمناً لسوريا، .مبادرة تضع في صدارة أولوياتها ضرورات الانتقال السلمي للديمقراطية، وبصورة تحافظ على سوريا وتمنع تفتيتها واحترابها وانقسامها على نفسها، مبادرة تحتوي تداعيات الحدث السوري، وتستبق مفاعليه، لأن المنطقة لا تحتمل «عراقاً ثانياً».

مثل هذه المبادرة، وبالأطراف المكوّنة لها، يتعين أن تكون بالمرصاد لمحاولات إسرائيل، إعادة تفكيك وتركيب المنطقة، على صورتها وشاكلتها، دولة لجميع أبنائها اليهود، أو بالأحرى «جيتو» لجميع مستوطنيه واللائذين به، فتنشأ كيانات على أنقاض دولنا، على حدود الطوائف وخرائط المذاهب، دويلات لجميع أبناء المذهب والطوائف، كيانات مقتتلة ومتصارعة، لن يجد أي منها غضاضة في مد اليد لإسرائيل وطلب العون منها.

المبادرة التي نتحدث عنها، ليست مهلة إضافية للنظام لمواصلة هواية القتل اليومي الدامية، بل هي إنذار أخير له، تحت طائلة مواجهة إقليم متحد، يريد لسوريا وشعبها أن يلحق بربيع العرب، وأن تتفادى أسوأ سيناريوهاتها وكوابيسنا، مبادرة تضع جدولاً زمنيا لأعمق الإصلاحات السياسية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتاجها البلاد والعباد.

قد يقول قائل، وهل الأطراف المتعاقدة حول هذه المبادرة، مؤهلة للدفع في هذا الاتجاه، الجواب نعم، وخصوصا تركيا ومصر، اللتين تسيران نحو المستقبل بعزم وثبات، أما الأطراف الأخرى، فلها مواقف وحسابات، ستجعلها مدفوعة للقبول بهذه المبادرة والأخذ بعناوينها، فالشرر المتطاير من القنبلة السورية الموقوتة إن انفجرت لا سمح الله، سوف يحرق كثير من الأثواب والعمامات والأطراف، بل وقد يصيب بعض دول الإقليم في مقتل.

إنها الفرصة الأخيرة، للسياسة والدبلوماسية، قبل أن تحين ساعة الحقيقة والاستحقاق، ونندم حيث لا ينفع الندم، إنها الفرصة الأخيرة التي تسبق الكارثة المحدقة قبل وقوعها، فهل من مستجيب؟.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات