فوضى خلاقة في البلد

يتم اغلاق طريق المطار، والطريق الدولي، واطلاق الرصاص من اسلحة رشاشة امس، لان المواطنين يحتجون على الانتخابات البلدية، وفصل ودمج البلديات غير المدروس وغير العادل.
غضب الناس بلغ مبلغاً حاداً، لان حكوماتنا لا تراعي اي حسابات، وما هذا الغضب الا تعبير عن قضايا كثيرة اخرى.
شهدنا امس «الثمرة المرة» للتفتيت الاجتماعي وسياسات الحكومات بشق الناس، وتفتيتهم الى كتل متحاربة تكره بعضها، وتحارب بعضها، على مقعد بلدي او نيابي، والوصفة السرية ادت الى انقلاب السحر على الساحر هذه الايام.
من ابسط الاشياء ادانة اغلاق الطريق او اطلاق النار، غير ان السؤال الاهم، لماذا وصل الناس الى هذه الدرجة من الغضب، وكل المؤشرات كانت حافلة بالتحذيرات، وتقول للدولة ان عليها ان تراجع كل شيء، غير ان لا احد يسمع!؟.
لا يمكن للحكومة اي حكومة، ان تجري الانتخابات البلدية بهذه الطريقة، لان هناك رفضاً شعبياً لفصل بلديات ودمج بلديات، وهذه الاحتجاجات سوف تفتح الباب لاحتجاجات اخرى، وهكذا قد لا يكون امامنا خيار سوى تأجيل الانتخابات البلدية كلياً.
هذا اقل الضرر، لان اجراء الانتخابات في ظل هذه الاجواء سيؤدي الى مشاكل في مناطق كثيرة، وقد تحدث اشتباكات غداً عند فرز الصناديق، والسبب في ذلك حكوماتنا التي لعبت بالوحدة الاجتماعية للناس، وقامت بتكسير العلاقات العائلية، وبث العداوات بين ابناء بلد واحد.
هذه نتيجة طبيعية للعبث في ارادة الناس، الى العبث بلنتائج الانتخابات، ورفع فلان وتحطيم فلان، دون اي سبب، سوى الاهواء الشخصية، وبقيت الصدور تتوهج جمراً من الشعور بعدم العدالة، وبروز اناس على حساب اناس.
فوق ذلك اخفقت الحكومة في ترسيم البلديات، وبدلا من ان تكون الانتخابات البلدية بوابتها لعبور الاصلاحات السياسية، تحولت الى قنبلة تنفجر في حضن البلد، لان تقسيم البلديات لم يراع رغبة الناس، ولا تقييماتهم لتجربتهم السابقة.
الدولة امام خيارات اصعب من بضعها، فاذا اجلت الانتخابات البلدية، تأثر موعد الانتخابات النيابية وفقا للقانون الجديد، واذا بقيت التركيبة كما هي احتج اناس من شعبنا ورضي آخرون.
اذا رحلت الحكومة واجهت التي بعدها ذات المشاكل، واذا تم اجراء تعديل وزاري، فلا شيء سوف يتغير، واذا تم حل البرلمان فمن هو رئيس الحكومة الذي سيقبل ان يأتي لشهور، ليتم التعريض به يومياً واهانته باسم الديموقراطية؟!.
فوق كل هذا «خربطة» تجبرنا على استقالات نواب بسبب ازدواجية الجنسية، والاضطرار لانتخابات تكميلية، وشغور مواقع وزارية وهكذا ندور في متاهة تمطر فوقها حراكات الجمعة بشعاراتها غير المسبوقة.
كل المؤشرات تأخذك الى زاوية خطيرة من هتافات الجمعة الماضية وتحالفاتها، وصولا الى ما شهدناه البارحة من وسائل جديدة للتعبير عن الغضب، مروراً بالخوف من جمعة الغد، وصولا الى السؤال حول الذي ينتظره مطبخ القرار لتهدئة الداخل الاردني.
هذا ارهاق لوطن. ارهاق لوطن بكل ماتعنيه الكلمة، ولا تملك امام ما تراه الا ان تدمع عينك حيرة وغضباً، فوطن انجز الكثير، ووطن مكتمل بكل اهله، يتعرض لامواج عاتية، ولا ترى احداً يسعى لانقاذ السفينة.
الفوضى الخلاقة في البلد ستأخذنا الى كارثة كبرى، خصوصا، في ظل هذا الصمت المميت.(الدستور)