البنية الفوقية للحراك العربي

مجموعـة الدول الثماني التي طرح قادتها قبل عدة سنوات فكـرة الشرق الأوسـط الجديد لم يخطر ببالهم في حينـه أن هذا الشعار سـوف يتحقق فعلاً ولكـن بمضمون يختلف جوهرياً عما قصدوه، فقـد أرادوا شـرق أوسـط جديـداً، متصالحاً مع إسـرائيل، ومتصـدياً للإرهاب، ومنفـذاً للسياسات الداخلية والخارجيـة التي ينصح بها الثمانية الكبار وعلى رأسـهم أميركا.
الشرق الأوسـط الجديـد الذي تعاد صياغته الآن على أيـدي الربيع العربي جاء للحصول على الحرية والديمقراطيـة، والقضاء على الاستبداد، ومحاربة الفسـاد، ولكن كل ذلك ليس متجسـداً في برنامج محـدد وقيـادة واضحـة.
لم نتفق بعد على توصيف مسلسـل الحراك العربي الذي يمتد من المحيط إلى الخليـج، فهل هو ثـورة أم نهضة أم انتفاضـة، أم صحـوة؟. الحقيقـة أنه يمثل كل هذه المفاهيم سياسياً واجتماعياً، والمهم أن أحداً لم يجرؤ على وصفه بالتمرد أو العصيان، باسـتثناء الحكام المسـتبدين الذين وصفـوا الثوار بالجرذان والمندسـين.
الحراك العربي لم يرفع شعارات الوحدة العربيـة أو تحرير فلسطين أو الإسلام هو الحل، ولكنه فتح الباب على مصراعيه، فقد يأتي العمـل لهذه الشعارات ضمن الهـزات الارتدادية للهـزة الكبيرة التي أثارت إعجـاب العالم وحار المحللـون في تشخيصها والتنبـؤ بتداعياتهـا.
قامت الثـورة على أكتاف الشباب بين 15 إلى 29 سـنة، حيث بنـوا البنية التحتية للثـورة، ولكن الكهول والشـيوخ هم الذين يبنـون البنية الفوقيـة ويكسون الثـورة لباسها الفكري والنظـري، ومن المحتمل أن ينتزع هـؤلاء زمام المبادرة من الشباب فيما يمكن أن يعتبر ثورة مضادة (تعيـد الأمور إلى نصابها) بشكل أو بآخر.
يتم التعامل مع الثورات العربية المتعـددة باعتبارها حلقات متصلـة من حـراك متماثل يقـوم به الشباب مدفوعين بنفس العوامل والأسبـاب، ولكن لكل قطر عربي ظروفه وخصوصيتـه التي قد تجعـل النهايات والنتائج مختلفة.
ما زلنا في مرحلة تثبيت وتكريس البنية التحتيـة للثورات العربية، ولكن هناك قـوى هامة عربية وأجنبيـة تهيء نفسـها لإقامة البنية الفوقيـة حسب مواصفاتها وبما يلائم ويحقـق مصالحها.
(الرأي)