مطاع الصفدي .. كأنه الآن

في تموز من عام 2005 نشر المفكر السوري مطاع الصفدي المولود في دمشق 1929 مقالة مهمة بعنوان (الليبرالية المستعربة) نعيد نشرها كما لو انها الان...
والصفدي, لمن لا يعرفه, مفكر وفيلسوف مهتم باعمال الفيلسوف الفرنسي (فوكو) واعمال الفيلسوف الالماني, هابرماس وفلسفة القطيعة والتواصل عموما اضافة لدراساته حول عبدالناصر والناصرية.. وقد استخدم المقاربات الحداثية لنقد العقل الغربي نفسه, ويرى ان العصر الامريكي في اواخر ايامه..
اما المقالة المذكورة فهي برسم الجميع وليس معارضة باريس - واشنطن السورية, وحسب.. ومما جاء فيها:
ليس ثمة موجة استعمارية في التاريخ الحديث لم تسبقها وترافقها حملة تبشيرية بافكار ونوايا تحديثية وتمدينية توجه من الجيوش الاوروبية الغازية الى شعوب الشرق المتأخرة والهجمة الامريكية الراهنة على العالم العربي والاسلامي لم ولن تخرج عن هذا التقليد الذي يغلف مشاريع الغزو العسكري والسياسي بهالات التحرير والتمدين, فلا تخترع سحرا جديدا بحملها لالوية الديمقراطية كيما تجعل من نفسها وصية بالقوة على مصائر الدول العربية وعقول مجتمعاتها, انها تقود احدث غزو للاستعمار المباشر بكامل عدته من القوة العسكرية المتفوقة الزاحفة الى عقر الوطن العربي, واحتلال اهم اقطاره, ثم الشروع بتنفيذ اشكال من التدخل السافر في اخص شؤون دول المنطقة.
فالامركة او الليبرالية المستعربة تحتاج اكثر ما تحتاج في هذه الظروف الحالية الملائمة لانتشار اوبئتها دونما اية حواجز تعترضها الى ترجمة واقع القطريات الى مبدأ الشرعيات السيادية لدولها, هكذا يعاد تكريس انفصال سورية ولبنان عن بعضهما, باعتباره استردادا لاستقلال لبنان واكتسابا لسيادته الضائعة, كذلك يشرعن انفصال جنوب السودان عن شماله, ويكاد يقسم العراق الى عدة كيانات تحت ادعاء الاعتراف المشرعن بتعددية مكوناته التي كانت روافد انسانية لحضارته المؤسسة لمدنية الانسانية, ثم يراد لها ان تتحول الى معازل بشرية متضادة, ومتخاصمة على سيادات تظل مبتورة ومنقوصة مهما اصطنعت كل منها مسوغات موهومة لكيانات لا تملك اسباب بقائها في ذاتها.
لا يمكن لامة تاريخية كالامة العربية ان تؤمن ذات يوم بان انكساراتها السياسية يمكن ان ترسخ لديها عقيدة بالالتزام النهائي او الكلي, وان تجمل لهذه العقيدة بافكار ليبرالية تحررية, هي افخاخ خبيثة لمفاهيم الحرية الحقيقية فان ثقافة الهزيمة لا تولد الافكار التي تهزمها وتفضحها بقدر ما تنسج تلك الايديولوجيا الاخرى التي تصور التسليم بالكارثة وحتميتها كما لو كانت صنيعة نفسها, هنالك نوع من ميتافيزيقيا الكذب على الذات كما لو كان كذبا على الآخر وخداعا له, فالامريكي يدأب في اقناع نفسه والعالم من حوله انه لا يزال يقود معركة التحرير والدمقرطة.(العرب اليوم )