الأزمة ليست في البديل

هناك هواجس وتخوفات لدى الأمريكان ودول الاستكبار والاستعمار العالمي حول البديل القادم الذي سوف تنتجه ثورة النهوض العربي, لأنهم خلال ما يزيد على قرن من الزمان وهم يُحكمون سيطرتهم على الأرض العربية وشعوبها من خلال وكلائهم وعملائهم الذين استمدوا شرعيتهم وقوتهم وعوامل بقائهم من خلال تبعيتهم الذليلة للدول الكبيرة, وقدموا كل لديهم من إمكانات وقدرات على حماية المصالح الغربية والشرقية بكل أمانة وإتقان وتفانوا في إقناع الأجنبي بأنهم قادرون على القيام بهذا الدور عن طريق حكم الشعوب وكبت الحريات ومصادرة حقوق المواطنين والاستعانة بالجيوش وأجهزة الأمن المرعبة .
المشكلة الكبرى أن دول الاستكبار العالمي استطاعت نقل هذه الهواجس والتخوفات الى بعض النخب العربيّة, تلك النخب التي تتلمذت على أساطير الفكر الأجنبي, البعيد عن تراث هذه الأمة وحضارتها ورسالتها سواء كان هذا الفكر يحمل وجهة نظر غربية ليبرالية رأسمالية مادية, أو يحمل وجهة نظر شرقية اشتراكية, مما اضطرهم للوقوف مع أنظمة الاستبداد والقمع والفساد تحت وابل من التبريرات السطحية والتدليس في المعلومات وقلب الحقائق وإتباع منهج الاجتزاء المخل في قراءة المشهد السياسي بطريقة تضليلية خادعة.
إن تطويل أمد الثورة الشعبية العربية في كل من اليمن وسورية هو فعلاً صناعة غربية أمريكية بالتعاون مع أيد عربية متضررة وخائفة ومرتجفة من نتائج الثورة الشعبية العربية على حكم الفرد والديكتاتور, وحكم التسلط والفساد, وحكم التبعية الذليلة والمهينة للأجنبي.
كل هذا التأخير والتطويل يأتي في سياق الإجابة على السؤال المفزع لهم ولأذنابهم من هو البديل?
وهنا لا بد من كلمة واضحة ومحددة وجريئة لكل المعادين والمشككين بثورة النهوض العربي, إن البديل المطلوب هو من تختاره الشعوب العربية الحرة بإرادة مطلقة وعبر إجراءات عادلة ونزيهة . وسوف يكون هذا البديل وطنيّاً خالصاً يعبّر عن ضمير الشعوب العربية الواعية اليقظة الناضجة والمتقدمة على نخبها المتغربة, والمتقدمة على كل المشككين والمحبطين والمبتورين عن ضمير أمتهم وفكرها وحضارتها ورسالتها السامية النبيلة المشرقة القادمة.
إن الملايين ومئات الآلاف من أحرار العرب من الشباب والفتيات الذين يملأون الساحات والشوارع في مدن وقرى وأرياف العالم العربي والإسلامي على قدر من الفهم والوعي العميق الذي يجعلهم يحسنون الاختيار, ويجعلهم يميزّون بين الغث والسمين, ويمكنهم معرفة الوطني النظيف المنتمي لوطنه وأمته انتماءً عميقاً متفانياً يجعله يطلب الموت في سبيل حرية شعبه وتطهير أرضه, لذلك لا تخافوا على هذه الأمة عندما تكون حرّة مطلقة الإرادة, بعيدة عن سطوة الطواغيت والجبابرة الذين أقاموا عروشهم على أكوام من جماجم وأشلاء المجاهدين الأحرار .
إن آلاف الشهداء الذين يسقطون يومياً في ساحات النضال الوطني وهم يواجهون دبابات الأنظمة وطلقات القناصين من المرتزقة والشبيحة, سوف يصنعون الغد المشرق لهذه الأمة وسوف تبني حضارتها العربية الإسلامية.
وسوف يبقى المشككون والمحبطون غارقين في أوهامهم, يرعبهم ضجيج عجلات قطار الحرية القادم لا محالة.
(العرب اليوم)