الأضحى المبارك : أهنئ وأحتجب

في الشطر الأول من عنوان هذه المقالة، أجدني طائعاً لا مرغماً، أن أتقدم بأجمل التهاني وأطيب الأمنيات لكل قارئ وقارئة، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، ومن خلالهم إلى جميع الأهل والأصدقاء في الأردن وفلسطين وعلى امتداد الوطن الكبير ودنيا المنافي والمغتربات...أعاده الله على الجميع بكل الخير واليمن والبركات.
أما بخصوص الشطر الثاني من العنوان، فلا رأي لي في المسألة..."وهل أنا إلا من غزية، إن غوت ...غويت وإن ترشد غزية أرشد"...وهل إنا إلا من "الدستور" إن صَدَرَت صَدَرْتُ....وإن احتجبت عن الصدور، أحتجب....
لكأن التاريخ الذي توقف عن الحركة لأكثر من أربعين عاماً، قرر استئناف مساراته المتعرجة، وبسرعة القطار الياباني الحديث.
في العيد الماضي، عيد الفطر، قبل سبعين يوماً، انتابني شعور بالنشوة والزهو...لن أردد هذه المرة "بكائية" عيد بأية حال عدت يا عيد، التي طالما رُدِّدت كاللازمة في سنوات خلت...لقد عاد العيد، ونحن في خضم الحركة والتطور والتغير....لقد أشرقت شمسنا وأطل قمرنا، بعد سنوات عجاف من "الكسوف والخسوف"...وها نحن بين عيدين، نودع ديكتاتوراً جثم على صدورنا 42 عاماً...بعدما قاتَلَنا بالفعل من زنقة إلى زنقة ومن دار إلى دار، بحثاً عن فرصة لتجديد إقامته فوق صدورنا وعقولنا وضمائرنا...غاب الديكتاتور ولقي نهاية بشعة، من نمط النهايات ذاتها التي أذاقها لمئات وأولوف الليبيين والفلسطينيين واللبنانيين والتشاديين وغيرهم.
ولن يأتي العيد القام، قبل أن نودع المزيد من هؤلاء...لن يهل هلال رمضان القادم وعلي عبد الله صالح، الرئيس اليمني "المحروق" في سدة الحكم...لا أدري أين سيكون، ولكنه لن يكون هناك...ربما يكون في جدة، على مقربة من زين العابدين بن علي، وغير بعيد عن مكة والشعائر...ربما يكون في القبر، مدفونا في مكان مجهول في الجبال اليمنية...ربما يكون في لاهاي، ينتظر قرار "الجنايات الدولية"...لا أدري أين سيكون، لكنه لن يكون في القصر الجمهوري، وسيكون اليمنيون والعرب، قد تنفسوا الصعداء بعد أن تخلصوا من "إطلالاته المنفّرة"، وشبه اليومية، من على مختلف الشاشات.
لا أدري أين سيكون الرئيس السوري بشار الأسد...المسألة مرهونة بما ستفعله يداه...بمقدوره أن يكون في القصر الجمهوري بصلاحيات أقل، يدير مع آخرين مرحلة انتقال إلى الديمقراطية، ويشرف على عملية استلام وتسليم مقاليد الحكم والسلطة، إلى حكومات ورئاسات منتخبة ديمقراطياً...لكنه أيضاً يمكن أن يشترك مع صالح والقدافي في العبارة المدونة على شهادة الوفاة: مجهول مكان الدفن...ويمكن أن يلاقي صالح وحسني مبارك في أروقة المحاكم المحلية والدولية وقاعاتها الرحبة الفسيحة...لكن المؤكد أن الفرصة لن تتاح له للعب "الطاولة" أو "الورق" مع زين العابدين بن علي في منفاه السعودي الأخير.
ثمة زعماء آخرين، لا نستبعد أن يكونوا قد وضعوا أقدامهم على سكة "درب يسد ما يرد"...الثورة مرشحة للاندلاع في عدد من الدول العربية...في فلسطين ثمة نذر انتفاضة ثالثة تتجمع فوق سماء الضفة والقدس والقطاع...من يمتطي صهوة هذه الانتفاضة حملته معها، ومن عاندها وقاومها، ستجرفه في طريقها، وطرقها كلها تؤدي إلى كنس الاحتلال، ومن يقف سداً منيعاً أمام محاولات كنسه.
وفي العراق، ثمة إرهاصات حراك وطني، رأينا بوادره تطل برأسها، مع إطلالة ربيع العرب...حراك يحمل في طياته، بارقة الأمل الأهم على فرص استعادة العراق، وحدة وكياناً وهوية، بعد أن فتته أمراء الطوائف وزعماء المليشيات وفقهاء الظلام من كل الملل والنحل...أما الجزائر فقد قرعت الثورة أبوابها، وبقوة، بيد أن وقوف قطار التغيير مطولاً في محطته الليبية، وارتفاع فاتورة إصلاحه واستئنافه لمساره، مكّن حكام الجزائر من التقاط الأنفاس واسترداد الروح المعنوية.
والسودان الذي خسر ربع مساحته وسكانه، يبدو مهددا بنذر انقسامات أخرى، لكأن "التشظي" بات لعبة لا قعر لها، بدأت بانفصال الجنوب، ومرّت بدارفور، وهي تضرب الآن في كردوفان وأعالي النيل وفي غير بقعة ومكان وإقليم...فيما غالبية الفئات الوسطى والمهنيين ونشطاء الأحزاب والمجتمع المدني، يتطلعون لوقفة مراجعة وحساب، مع كل من تسبب في تفاقم أزمات البلاد واتجاهها للتفكك والانهيار.
من الآن، وحتى إشعار آخر...ومن عيد إلى عيد، سنظل نودع ديكتاتوراً ونستقبل انتفاضة أو ثورة....ألسنا أمة واحدة أخرجت للناس؟...اليس العربي للعربي كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟...وأهلا وسهلا بالعيد، طالما أننا سنحصي صبيحة كل يوم من أيامه الأول، كم ديكتاتوراً ذهب وكم واحداً منهم بقي في موقعه، وكل عام وأنتم بخير.
(الدستور)