عظّم الله أجركم!

من حق هيئة تنسيق أحزاب المعارضة الأردنية (باستثناء جبهة العمل الإسلامي) أن تأخذ موقفاً ضد التدخل الأجنبي في سورية، فهنالك وجهات نظر مختلفة (مع) و(ضد)، كما هي الحال مع عسكرة الثورة والإبقاء على سلميتها. لكن تجيير ذلك لصالح النظام السوري ضد الشعب وثورته المحقة ليس وجهة نظر، بل هو موقف مناقض للقيم الإنسانية وللديمقراطية ولمبادئ حقوق الإنسان الأساسية.
لم نسمع من هذه الأحزاب أيّ إدانة حقيقية ومواقف صلبة متماسكة ضد جرائم الإبادة التي يرتكبها النظام السوري ضد الإنسانية في دمشق، وضد المعتقلات التي يزجّ فيها بآلاف السوريين، ويعذّبون بأساليب تتجاوز الخيال الإنساني، فلماذا تبدو دماء وكرامة وحقوق الشعب السوري في حياة إنسانية كريمة محترمة نظيفة رخيصة إلى هذا الحدّ لدى المعارضة الأردنية؟
فقط لو فكّر أحدهم أنّ له ابناً شابّاً، دفع دم قلبه ليرعاه، قُتل برصاص بدمٍ بارد لأنّه خرج بتظاهرة سلمية؛ لو تخيّل أنّ ابنه، مثل أولئك الشباب، اعتُقل أسابيع قبل أن يعود إليه جثّة مقطّعة عليها آثار التعذيب الهمجي، أو عاد إليه إنسانا معطوبا نفسياً بعد أن رأى من التعذيب والإهانة والاحتقار ما لم يخطر على باله؛ أو أنّ ابنه الصغير، مثل أطفال المدارس في درعا، اعتُقل فخرج له مشوّهاً خلقياً ونفسياً، بعد أسابيع؛ أو أنّ له ابنة اعتُدي عليها بقسوة واغتُصبت من وحوش الشبيحة.. ماذا سيكون موقف هذا الذي يزاود على جراح آلاف السوريين اليوم؟
حسناً، سنفترض صحّة ما يقول أنصار النظام السوري بأنّ كل ما يبثه الإعلام هو مخطط أميركي- قطري- تركي- أصولي (مؤامرة كونية)، وأن ما يبث عبر موقع "يوتيوب" من داخل سورية نفسها من آلاف الأشرطة المصوّرة مدبلج ومفبرك! وأنّه لا توجد جرائم ضد الإنسانية في سورية! وأنّ الناس تعامل بمنتهى الاحترام لحقوقهم الآدمية والسياسية والإنسانية.
فإننا نطلب، فقط، ممن يتبرع بهذا التأييد أن يطالب النظام السوري بأن تشكّل لجنة "تقصي حقائق" عربية من المجتمع المدني وتذهب لتقابل الناس في حمص ودرعا وحماه ودير الزور وجسر الشغور والقامشلي واللاذقية وجبلة.. إلخ، ليؤكدوا لنا أنّ من يقتلون هم فقط بيد "العصابات الإرهابية المسلّحة"! نطالبهم بالذهاب إلى المعتقلات والسجون السورية وأن يقابلوا المعتقلين ليتأكدوا من المعاملة الإنسانية والأخلاقية العالية التي يلاقونها هناك!
لا حياد أبداً تجاه ما يحدث في سورية؛ والمعركة ليست هي مع خندق الممانعة أم الأميركي- الصهيوني، كما للأسف يجري تعبئة الأنصار داخل المعارضة الأردنية اليسارية والقومية، فهذا ظلم شديد للشعب السوري وأحراره الذين رفضوا الذل والاستبداد ودفعوا أغلى الأثمان لحريتهم.
هي معركة بين خندق الديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته وحرياته وحقه في تقرير المصير وفي أن يكون إنساناً ومواطناً محترماً، وبين أنظمة قمعية ديكتاتورية وحشية.
لو كنت مواطناً سورياً لما فكرت في التظاهر والاحتجاج على هذا النظام البوليسي، ليس حبّاً فيه ولا تفضيلاً له على غيره، بل لأنني لا أستطيع احتمال عاقبة ذلك من تعذيب وحشي وقتل همجي.
حتى وإن تجرأت، فسأفكّر في عائلتي وأهلي وما يمكن أن يلقوه بسببي، فلماذا هذا الجحود والاستهتار بهذه الشجاعة الخارقة التي يبديها الشعب السوري اليوم في مواجهة آلة القتل والتعذيب!السؤال اليوم ليس برسم الإسلاميين فيما لو كانوا يؤمنون بالديمقراطية، بل هو لتلك الأحزاب التقليدية القومية واليسارية التي تثبت بصورة واضحة أنّها لا تقيم وزناً للحريات وحقوق الإنسان وكرامته، فإذا كانت هي من يطالب بالديمقراطية في بلادنا.. عظّم الله أجركم!
(الغد)