حبل الكذب قصير

حبل الكذب قصير, وأحياناً يكون قصيراً جداً, لا يستمر بضع ساعات, في ظل تطور العلم وتكنولوجيا الاتصال, ولسهولة التوثيق وجودة أدوات كشف الحقيقة, وآلات فحص الروايات والحبكات..
قد تصل درجة الإتقان في الرواية المكذوبة الى ذلك الحد الذي ينطلي على السذج والبسطاء, لكن مهما وصلت درجة الإتقان في الحبل الكاذب, سوف تبقى هناك نقاط ضعف, ومواضع خلل, ومشاهد متناقضة تفضح المستور وتكشف الغطاء عن الأكذوبة العارية في الرواية المصنوعة.
لم يمض وقت قصير على المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السوري (وليد المعلم) وهو يتكلم برزانة وهدوء وتصنع الثقة الزائدة ليعرض شريطاً يضم مشاهد قتل مروعة لجماعات إرهابية, في جسر الشغور وفي مناطق درعا, زعم " (المعلم ), أنها ضد جنود في الجيش السوري, تجاهلتها القنوات الفضائية المشهورة بالتحريض وعرض المشاهد المجتزأة حسب رأيه, ولكن تجاهل قاعدة (حبل الكذب قصير) عند المعلم وأنصاره أوقعهم بالمصيدة.
أصبح المعلم في وضع لا يحسد عليه, عندما تم بيان تلك اللقطات بعد وقت قصير أنها وقعت قبل سنوات في لبنان, وان صورة الضحية كانت لعامل مصري تم قتله اثر حادث مؤسف في إحدى المناطق اللبنانية على خلفية شجار عائلي, وخرج الأشخاص الذين ظهرت صورتهم بوضوح في فيلم المعلم, ليعلنوا الحقيقة ويكشفوا الطابق, ويجب توجيه سؤال كبير آخر للنظام السوري وأنصار رواية القتل من طرف ثالث, لماذا لم ولا تتعرض مظاهرات التأييد للرئيس السوري وهي كثيرة العدد للاعتداء من هذا الطرف المزعوم, ولم يسجل حتى الآن وقوع قتيل واحد في مظاهرات التأييد والمناصرة للرئيس مع أنها صيد ثمين!!
المسار السوري مسار مقلق ومرعب, وتطور المشهد الدموي على الساحة السورية ينذر بولايات خطيرة على مستقبل الشعب السوري ومستقبل الدولة السورية, وعلى مستقبل المنطقة والإقليم بشكل عام, مما يستوجب طريقة للمعالجة مختلفة تماماً عما قررّه النظام من المضي قدما في استخدام العنف والقتل والاعتقال والتخويف والإرهاب, لان الشعب السوري كسر حاجز الخوف, وقطع نصف الطريق نحو نزع الشرعية عن النظام القائم, وان حجم القتل وكمية الدماء المهدورة من الشعب السوري المسالم, جعلت بقاء النظام أمراً مستحيلاً وضرباً من ضروب الخيال.
ان استمرار النظام بالخيار الدموي, يدفع سورية نحو التدخل الدولي دفعاً, ويدفع مجلس الأمن للتدخل قسرا وهذا أمر مرفوض بكل تأكيد عند الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين, ولكن بعد مضي ما يقارب ثمانية أشهر أو أكثر على تفرد النظام وإصراره على المعالجة بهذا الأسلوب الوحشي, غير المجدي وغير المثمر, الذي لا ينمّ عن حسن اعتبار لما حدث ويحدث في الدول العربية الأخرى, فانه يدفع الأطراف الإقليمية جميعها إلى البحث عن حلول للمشكلة المتفاقمة, ويفتح المجال أمام القوى الدولية للتدخل.
ما ينبغي التوافق عليه, أن سورية الدولة والشعب أهم من النظام واهم من الحزب كما ينبغي التوافق على ضرورة تلبية مطالب الشعب السوري المشروعة بالحرية والكرامة والإرادة والديمقراطية, واسترداد السلطة ووضع حد للتفرد بالسلطة والمقدرات من قبل الحزب الأوحد لمدة تزيد على نصف قرن من الزمان.
الحل: أن يسارع النظام الى اتخاذ قرار سريع وحاسم بوقف حمام الدم, والكف عن القتل والاعتقال والملاحقة, وسحب قوات الجيش كلها من المدن, وإطلاق سراح المعتقلين جميعاً, واستدعاء الجامعة العربية من اجل التنازل الطوعي السلمي عن السلطة لجهة يتم التوافق عليها من شخصيات سوريّة محترمة من المعارضة وغير المعارضة, لتشكل حكومة إنقاذ وطني. من اجل الحفاظ على سورية دولة وشعباً وأرضاً ومقدرات, والتهيئة لانتخابات عامة نزيهة لمجلس تأسيسي يضع دستوراً جديداً للبلاد ويهيء لبناء دولة سورية الديمقراطية المدنية الحديثة التي تتسع لكل السوريين بلا استثناء.
وبغير ذلك فان النظام يدفع بالبلاد والعباد الى مستقبل مجهول واحتمالات التدويل المرفوضة اذا أصر على تجاهل مطالب الشعب السوري الثائر, واستمر في الخيار الدموي.(العرب اليوم)