متطلبات ما بعد الجراحة !!

المدينة نيوز - من النوادر الطبية ذات المغزى العميق ان العملية الجراحية التي اجريت للمريض نجحت لكن المريض مات.. ونعرف رغم جهلنا بمهنة الطب ان هناك أعراضاً جانبية أو اختلاطات لبعض الجراحات قد تؤدي الى هلاك المريض، وهذا ليس بعيداً عن السياسة وبالتحديد عن الثورات والانتفاضات وما شئتم من التسميات.. فاثناء المخاض والحراك ينهمك الجميع في انجاز التغيير، ويكون كل شيء مؤجلاً سواء تعلق بالاقتصاد أو الجامعات أو اي مجال آخر، لكن ما ان يأتي المولود ذكراً كان أم أنثى حتى يبدأ الناس من أول سطر آخر بحيث يبدأون باحصاء الغنائم والخسائر والبطالة وما كان مؤجلاً..
العرب جميعهم تابعوا بشغف وشيء من الحذر وكثير من التفاؤل ما كان يجري في اكثر من بلد عربي، ومنهم من انقطعوا الى مشاهدة الفضائيات على مدار اللحظة وليس الساعة فقط، لكن سرعان ما هدأوا وبدأوا يشعرون بما سماه أحد الشعراء فراغ ايام الجنود العائدين من القتال..
ماذا عن الاقتصاد؟ خصوصاً في دول موشكة على الافلاس تبعاً لتصريحات من ناشطين ونخب؟ وماذا عن البطالة وتوابعها؟ وماذا عن العرض الجانبي الذي سُمّي البلطجية أو لصوص الفوضى الذين يبحثون عن ظلام يستطيل كي تستطيل أيديهم فيه؟
ان البديل المفترض لغياب زعماء وقادة حراك بالمفهوم التقليدي هو الرؤى والبوصلة الوطنية، لكن اذا غابت هذه البدائل فإن النتيجة الحتمية هي الفوضى, والاستمرار في متوالية التفكيك خصوصاً ما يتعلق بالدولة ومؤسساتها، لكن المثال العربي استثنائي بامتياز خصوصاً بعد ان توهم الناس بأن الدولة والنظام هما دائرتان متطابقتا المحيطين، ولهما مركز واحد، وسقوط النظام يعني بالضرورة سقوط الدولة.. وهذا النمط من الثقافة العوراء هو من افراز نظم شمولية لو استطاعت لزعمت ان التاريخ بدأ بها وانه سوف ينتهي بها أيضا فمن أجلها فقط تشرق الشمس ويورق الشجر ويسقط المطر.
ان اهمال المولود حتى لو كان معافى وابن تسعة اشهر بعد خروجه من الرحم قد يؤدي الى خسارته.
والثورات كمنجز تاريخي وثقافي واجتماعي لا تعيش وتنمو بمفردها ولا يقال لها اذهبي انت وربك فقاتلا انّا هنا قاعدون، ما نخشاه هو ما يعقب اي حراك من انتكاسات واية عملية جراحية من دمج واختلاطات، لان الثورة في العالم كله ليست هدفاً لذاتها وأهم ما فيها هو ما سوف تفرزه وينتج عنها من اخصاب بعد يباب ومن عدل بعد طغيان ومن تداول هادىء وسلمي للسلطة بعد عقود من الاحتكار والاستحواذ..
ما حدث ويحدث وسوف يحدث ايضاً في واقعنا العربي المحتقن ليس مباريات تنتهي باعلان فوز فريق على فريق، ثم يسدل الستار بانتظار مباراة قادمة..
اذكر ان عشرات الملايين من العرب كانت عيونهم توشك ان تلتصق بالشاشات اثناء حرب العراق او اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان وغزة، لكنهم ينصرفون بسرعة البرق، فالخبر العراقي لم يختلف من حيث الدم والانتهاك وتوغل هذا البلد العريق في الغياب، لكن التعامل مع اخباره هو الذي اختلف فقد خفت ثم تضاءل ثم أصبح من المألوف اليومي بحيث لا يوجد فرق بين عدد من يُقتلون في العراق ودرجة الحرارة أو البرودة في النشرة الجوية..
لهذا نقول بأمانة لكل من زغردوا لنجاح العملية، ان المريض ما يزال في خطر، فتبرعوا له بالدم ووفروا له ما يحتاج من الجلوكوز والعناية.(الدستور)