الجزائر.. ما بعد التاسع من نيسان!!
وجود ستة مرشحين (بمن فيهم الرئيس) يمنح المعركة بعداً مختلفاً، بعد أن واصلت ظاهرة الاستفتاءات والترشيحات المنفردة حضورها في المشهد العربي، ولم تعد تثير حماسة جماهيرية أو تؤخذ بجدية في الدوائر السياسية والدبلوماسية الاقليمية والدولية، ونادراً ما وصف رئيس عربي بالمنتخب في عواصم القرار الدولي لأنها لم تر فيها شفافية أو صدقية أو منافسة حقيقية تحيل الى استناد هذا الرئيس أو ذاك الى قاعدة جماهيرية عريضة، اختارت أن تذهب الى الصناديق بحرية ودفعتها جدية البرامج وتنافس الاحزاب الى الاختيار بينهم.
من هنا، يمكن الوقوف أمام المعاني الني انطوت عليها خطابات الرئيس الجزائري الانتخابية ، وقوله الصريح أنه لا يطمح الى تجديد رئاسته (الذي يبدو واثقاً من فوزه)، بقدر ما يريد فوزاً كاسحاً (...) مهدداً بالذهاب الى بيته في حال لم يكن الفوز يحمل تلك الصفة.. وعندما بادرته نساء المهرجان الانتخابي بالزغاريد قال بحماسة: زغردي زغردي!!.
هل بمقدور بوتفليقة أن يحقق امانيه؟.
اذا واصلت التحليلات والترجيحات (حيث تغيب استطلاعات الرأي المصداقة)، ابداء مخاوفها من تدني نسبة المشاركة في التصويت بعد أن أعلن حزب سعيد سعدي (التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية) مقاطعته للانتخابات وقام برفع العلم الاسود على مقره وشن حملات تحريض داخلية وخارجية ضد الرئيس بوتفليقة متهماً اياه بالفشل قائلاً ان ليس هناك سبب لبقائه في السلطة، فإن الامور ستأخذ ابعاداً اخرى وتلقي بظلالها ليس فقط على مستقبل العملية الديمقراطية في الجزائر، وإنما في مدى التفويض الشعبي الذي يمنح الرئيس الفائز فرصة أو مجالاً لإحداث تغييرات عميقة في بنية المجتمع الجزائري السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وخصوصاً التشريعية لجهة مَرْكَزَة القرار في مؤسسة الرئاسة ومنحها صلاحيات واسعة لحل البرلمان (اقتراح لم ينجح في البرلمان) وتقليص صلاحيات الوزير الاول (رئيس الوزراء) وهو أمر حدث.
جدول الاعمال الوطني الجزائري مزدحم ومعقد والعقدان الاخيران تركا بصمتيهما على المشهد الجزائري، وكان لكل احداثهما ووقائعهما اثار عميقة وبنيوية على المجتمع الجزائري، ومن السذاجة الاعتقاد ان اعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة أو قدوم رئيس آخر تفرزه صناديق الاقتراع (وهو امر غير مرجح وفق المعطيات الميدانية)، يمكن أن تحل مشكلات الجزائر العديدة أو أن تأخذ البلاد الى اجواء مغايرة لحال الاحتقان والازمات التي خلفتها سنوات الارهاب والقتل والفوضى والصراع الطويل، الذي أخذ اشكالاً عديدة بين المؤسسة العسكرية والاحزاب السياسية، والتحولات التي طرأت لاحقاً بنجاح بوتفليقة في الحد من دور الجنرالات في تحديد الاولويات الوطنية، رغم أنهم الذين جاءوا به (أو لجأوا اليه) لإخراج البلاد من الأزمة الخطيرة التي وصلتها البلاد وقتذاك ، وبات واضحاً أن الذهاب بعيداً في الخيار العسكري للقضاء على ارهاب الجماعات الاسلامية المتشددة سيعني الانهيار الشامل، ما حدّ من تأثير دور الاستئصاليين الذين لم يحسنوا التعامل مع قضايا الارهاب... جذوره، و ثقافته واقتصرت مقارباتهم على القوة، وإن لم تنجح فبمزيد من القوة، وهو ما ثبت فشله..
صحيح أن الرئيس الجزائري (المرشح الحالي) نجح في السنوات العشر التي انقضت على وجوده في السلطة، في استعادة اجواء الأمن والاستقرار النسبي في البلاد، وأوقع الجماعات المسلحة في الانقسام والانشقاقات والتصدع، وأسهم في اعادة تركيب المشهد السياسي والحزبي، وأبقى جبهة التحرير الوطني في الواجهة، ولكن دون أن تكون حزب السلطة الوحيد كما كانت طوال ثلاثة عقود على الاستقلال، إلا أنه صحيح ايضاً أن الجزائر ما تزال في حاجة الى برامج عديدة تحدد اتجاه البوصلة وتضع البلاد في اجواء سياسية وحزبية، اجتماعية واقتصادية جادة وديمقراطية وتفتح فضاء التنمية والحريات العامة على اتساعه، وهي أمور لم يتردد المرشحون الستة بمن فيهم المرشحة اليسارية لويزا حنون عن طرحه.. لكن العبرة بالتنفيذ وهو ما ينتظره الجزائريون بشغف.
Kharroub@jpf.com.jo
محمد خرّوب