والعرب والمسلمون ليسوا اعداء لاميركا ولكن...
شكلت زيارة الرئيس اوباما لاوروبا ثم لركنين عريقين من اركان العالم الاسلامي، تركيا مركز آخر امبراطوريات الاسلام، وبغداد عاصمة العباسيين احد العهود العريقة في تاريخ المسلمين حملة علاقات عامة دبلوماسية استهدفت تغيير صورة الولايات المتحدة في العالم من دولة عظمى ساست العالم بفوقية سياسية واقتصادية، وخصّت العالم الاسلامي بعدائية مفرطة، وضعت الاسلام والمسلمين في صفوف الاعداء لاسباب ايديولوجية بحتة تنحدر جذورها الى النفوذ الصهيوني الذي جسّر اطماع واهداف الصهيونية مع معتقدات بعض التيارات الدينية اليمينية المؤثرة في الساحة الاميركية، وحولها الى سياسات معادية للعرب والمسلمين في العالم.
وما قاله اوباما في تركيا ان اميركا ليست في حرب مع الاسلام، يدفع بالسياسة الاميركية باتجاه معاكس لسياسة الادارة الاميركية السابقة التي خلطت بين العالم الاسلامي وحربها مع أقلية متطرفة في افغانستان، استهدفت أيضاً الدول الاسلامية بالارهاب والعنف كما استهدفت دول العالم الاخرى، فالعرب والمسلمون ليسوا في حالة حرب مع اميركا، لكن بعض الساسة في الساحة الاميركية وضعوا الاسلام موضع العدو السياسي والثقافي والديني، مباشرة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وسوقوا العداء للاسلام والمسلمين في اوساط اليمين الديني المتعصب في الغرب، تحت عنوان محاربة الارهاب والقاعدة.
حدث ذلك مع ان بلداننا الاسلامية والعربية ايضاً تخوض صراعاً مريراً مع تنظيم القاعدة الذي يمارس اعمال عنف عشوائي وقتل باسم الدين اعتبرته معظم بلداننا العربية والاسلامية خروجاً على الدين، وفتنة تمزق المسلمين وتستعدي العالم عليهم.
كما ان العلاقات السياسية السائدة بين انظمتنا العربية والولايات المتحدة وانتشار القواعد الاميركية، في عدد من البلدان العربية برضى دولها، يبين ان العرب اختاروا طريق الصداقة مع الولايات المتحدة وليس العداء، وانهم علقوا آمالا كبيرة على واشنطن لحل الصراع العربي - الاسرائيلي، برغم التحيز الاميركي السافر الى جانب اسرائيل والذي اضر بقضاياهم وامنهم وحقوقهم المغتصبة.
لقد عانينا طويلا في المنطقة العربية، لأن علاقة العرب ودولهم مع الولايات المتحدة، ودول الغرب لم تكن متوازنة، فقد كانت الكفة دائما تميل لصالح اسرائيل رغم ان مصالح دول الغرب في بلاد العرب والمسلمين، لا تقارن بمصالحهم في اسرائيل.
فعلاقات دول الغرب مع العرب لم تقم على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة وتوازناتها، بل قامت طويلا على سياسة فوقية، مارست دول الغرب فيها ألواناً من التدخل السياسي والعسكري والضغط الذي وصل حد الحصار على بعض البلدان، لمقاومة أي سياسة مستقلة في الساحة العربية، ولرفع الخطر عن دولة اسرائيل وعندما قبل العرب، خيار السلام، وبادروا اليه، وصاغوا مبادرة جماعية اعطت اسرائيل كل ما زعمت انها تسعى اليه من الامن والقبول لم يتلق العرب من دول الغرب ومن الولايات المتحدة سوى الوعود، والمشاريع السياسية والمبادرات على انواعها، التي انتهت عند الرفض الاسرائيلي لها والصمت الدولي ازاء عمليات التعطيل الاسرائيلي، لمبادرات السلام ومشاريعه، كما صمت العالم ايضا عن الحروب غير المتكافئة التي شنتها اسرائيل على حلقات ضعيفة عسكريا في الساحة العربية، كان اخرها الحرب على لبنان والحرب على غزة، ومع ذلك، وجدت واشنطن، وعواصم الغرب ذرائع لتبرير هذه الحروب رغم عدوانيتها وبشاعتها.
ندرك ان ادارة الرئيس أوباما لم تقترف هذه الاخطاء، ولم تكن وراء احتلال العراق، الذي شكل اعتداء على العالمين العربي والاسلامي، فبغداد حاضرة عريقة من حواضر العرب والمسلمين أُغتيلت بالغزو الاميركي بذرائع سياسية ثبت زيفها وخطورة نتائجها على العراق والمنطقة والولايات المتحدة.
وهذا كله جزء من سجل العلاقة غير الايجابية بين سياسات واشنطن والمنطقة العربية والاسلامية وجزء من سجل دامٍ ومؤلم في العلاقات مع الغرب نتمنى ان يتم تصحيحه حتى لا تتكرر الحروب والاخطاء خاصة ونحن نسمع من اركان حكومة اسرائيل الجديدة ان الحرب على ايران المسلمة حتمية واولوية لدى اسرائيل ننتظر لحظة التنفيذ، مما قد يربك السياسة الاميركية ويربك الاوضاع في الشرق الاوسط من جديد.
اننا نقدر للرئيس اوباما وادارته هذه المراجعة الاخلاقية لسياسات الولايات المتحدة السابقة تجاه العالم، فلفترة طويلة كانت القوة الاخلاقية في الديمقراطية الاميركية معطلة لحساب افكار الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتي ادت نتائجها الى كوارث في العالم وخسائر لا حصر لها، والى مزيد من العزلة الاميركية والتورط العسكري والى ازمة اقتصادية ومالية خانقة نتجت عن السياسات والافكار والنظريات الاقتصادية التي جرت بانفلاتها وجشعها وفسادها الساحة الاميركية ودول العالم اجمع على كارثة اقتصادية ما زالت تتفاعل في العالم.
نقدر الدعوة التي اطلقها الرئيس اوباما في بغداد بضرورة التسريع في المصالحة الوطنية في العراق ونؤكد بان مثل هذه المصالحة لن تتحقق بتعزيز قوى الأمن والجيش العراقي والمداهمات العسكرية فقط وانما بشجاعة المواقف السياسية التي تخرج العراق من ازمة الانقسام الطائفي الى صيغة سياسية تحتضن وتوحد جميع ابناء العراق وتجنبه حكم الطائفة الواحدة وهو ما قادت اليه سياسات الاحتلال في الفترة الماضية.
فالمصالحة والوفاق السياسي القائم على دستور متوازن ينظم حقوق جميع الاطياف والاقليات ويعلي دوروقيمة المواطنة هو الذي يجعل الانسحاب الاميركي بعد عام ونصف آمنا، ويجعل العراق والمنطقة آمنين، ويمهد لعلاقة تقوم على التعاون واستعادة الثقة بين الولايات المتحدة والعراق وشعوب المنطقة.
تحديات كثيرة معقدة ما زالت امام ادارة الرئيس اوباما في العالم العربي والاسلامي اهمها التحدي الايراني واوضاع باكستان وافغانستان وحل القضية الفلسطينية وكبح العدوانية الاسرائيلية في المنطقة واعادة بناء الثقة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي بتبني حلول عادلة وغير متحيزة لقضايا وصراعات الشرق الاوسط.