في رحيل غسان تويني

من الطابق التاسع، حيث مكتبه في “النهار”، كان يصنع الجريدة، ومن المكتب ذاته كانت تُصنع السياسة في لبنان، فالصحافي السياسي اللبناني الكبير غسان تويني، الذي رحل أمس الأول، لم يكن صحافياً وسياسياً عادياً، بل كان صانع صحافة، وصانع سياسة.
هو وُلد في “النهار”، التي أسسها والده، ومات فيها أيضاً، ولعلّ أصعب لحظات حياته كانت مع اغتيال ابنه جبران، وقبلها مع وفاة ابنه الثاني في حادث سير، فكم هي قاسية هذه الحياة التي تجعل أباً يدفن ابنيه، ولكنّها ضريبة يدفعها الكبار، ويدفعها اللبنانيون الذين ما زالوا يعيشون على حدّ السكّين.
غسان تويني كان صاحب صحيفة، ورئيس تحرير، ووزير إعلام وغيرها الكثير من الوزارات، ومندوباً للبنان في الأمم المتحدة، ونائباً مزمناً في البرلمان، ومستشاراً لرؤساء جمهورية، ولكنّ الأهمّ في حياته أنّه كان مجدّداً في مهنته، وإنسانياً في حياته، وزواجه من ناديا حماده تويني، الدرزية، وهو المسيحي الأرثوذكسي، أكبر دليل على كونه عابراً للطوائف، حُراً في مواقفه.
كلّ لبنان خرج في جنازته أمس، فهو يفرض الوحدة على الجميع حتى في رحيله لأنّه عاش محترماً، ويبقى أنّني سأقتبس هنا ما كتبته حفيدته نايلة تويني، التي ستحمل وحدها الآن مسؤولية “النهار”: جدي، هل تذكر عند استشهاد والدي وكنا بعد في باريس، انك قلت لي: “لا أطلب منكِ ان تكوني رجلاً، بل على مستوى ما ينتظره منك والدك”. اليوم صارت المسؤولية أكثر والانتظارات أكبر. ( الدستور )