القدومي اذ يصعد ويتهم خصومه بقتل عرفات

إذا كانت قضية اغتيال ياسر عرفات قد قيدت ضد مجهول في الأروقة العربية والفلسطينية الرسمية ، فإنها ليست كذلك في الوعي الشعبي ، إذ يُجمع الناس على أنه اغتيل بالسم ، من دون حاجة للاستشهاد بالتقارير الإسرائيلية الأمريكية حول هذا الملف ، لكن ذلك شيء وقضية الذين تآمروا عليه في الجانب الفلسطيني شيء آخر ، إذ صدرت على هذا الصعيد إشارات عديدة لكنها بقيت في حدود التلميح أكثر من التصريح.
هذه المرة يخرج من يصرح في العلن بأن هناك من رموز القيادة الفلسطينية من تآمروا مع شارون في قضية اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ، ومن فعل ذلك ليس شخصا عاديا من الأروقة الخلفية ، بل أمين سر حركة فتح ، ورئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير (فاروق القدومي).
في لقائه مع عدد من الصحفيين هنا في عمان ، كشف القدومي عن محضر اجتماع حضره "محمود عباس ودحلان ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز بحضور وفد أمريكي برئاسة وليم بيرنز في مطلع آذار "2004 ، وفيه تم التخطيط لتسميم عرفات واغتيال القيادي في حركة حماس عبد العزيز الرنتيسي وتصفية آخرين" ، ومن بينهم عدد من قادة حماس والجهاد الإسلامي "من أجل تصفية المقاومة" ، والكلام للقدومي.
وعن هدفه من وراء الإعلان عن محضر الاجتماع في هذا التوقيت ، قال القدومي إنه يأتي في سياق "تحذير الفصائل الوطنية مما يحاك ضدها ، وذلك بعد التأكد من مضمون ما ورد فيه ومحاولة إجراء عملية فرز داخل حركة فتح بعدما ضمت في صفوفها أشخاصا لا يتمتعون بالشروط والصفات الكاملة لعضوية الحركة" ، ممن قال إنهم دخلاء يهدفون إلى اختراقها.
في المحضر المشار إليه معلومات مثيرة حول التنسيق الذي وقع بين الطرفين ، ويمكن لمن أراد الاطلاع عليه العودة إلى الصحف والوكالات التي نشرته أو نشرت مضمونه ، والأمر بالنسبة إلينا يتجاوز المحضر الذي يمكن لأي أحد التشكيك بمضمونه إلى بعدين أكثر أهمية ، يتعلق الأول بوصول الصراع داخل حركة فتح إلى مستوىً غير مسبوق ، وبالطبع بعد إدراك الفريق الرافض لهيمنة تحالف عباس دحلان عليها ، ودمجها في السلطة وشطب وجودها كحركة تحرر ، إدراكه لحقيقة أن المسار القائم سيفضي إلى خسارته المعركة ، بخاصة بعد تحديد مكان المؤتمر السادس في الداخل الفلسطيني وزمانه أيضا ، وهو ما دفعه إلى استخدام كل ما لديه من أوراق ، بما فيها تلك التي يسهل التشكيك فيها وفي مضمونها ، كما هو حال المحضر المشار إليه. ولا شك أننا إزاء أخبار سيئة ، ذلك أن استكمال فريق السلطة لمشروع الهيمنة على حركة فتح سيعني متاهة جديدة للقضية برمتها ، بصرف النظر عن مآل الحوار الدائر بين حماس وفتح ، أو بين حماس والسلطة بتعبير أدق. وتتمثل المتاهة في أوسلو جديدة بمضامين أكثر سوءًا بكثير ، سواء عاد واقع السلطة إلى ما كان عليه قبل انتفاضة الأقصى ، أم توصل القوم إلى صفقة نهائية ستكون بائسة من دون شك.
أما البعد الثاني فيتعلق بالقضية الأساسية مثار الجدل ، وهي قتل عرفات بالسم ، ذلك أن استبعاد أن يكون تنسيقا قد تم بين الطرفين والاستخفاف بالمحضر ومضمونه لا ينفي بحال أن هناك من غطّى عملية الاغتيال عبر القول إن الرجل مات موتا طبيعيا ، والأهم أن هناك من تآمر على عرفات وحاول الانقلاب عليه بقوة السلاح في العام 2003 لولا تغير الموقف المصري ووقفة حماس إلى جانبه ، أما الانقلاب السياسي عليه فكان يتم بقوة الضغط الأمريكي الأوروبي الذي أفضى إلى تغيير القانون الأساسي للسلطة لكي يغدو محمود عباس رئيسا للوزراء بصلاحيات كبيرة ، ومعه محمد دخلان مسؤولا للأمن.
مع ذلك سيخرج علينا من يماري في ذلك كله ، ويعتبر أن فتح في ظل الورثة الجدد هي ذاتها فتح القديمة رغم تغير الشعارات والبرامج على نحو جذري ، الأمر الذي لا يمكن تفسيره بغير الحساسيات الحزبية التي تعمي في كثير من الأحيان القلوب والعقول.