القدومي .. سكت دهراً

لم يتوان السيد فاروق القدومي عن محاولة إطلاق رصاصة الموت على الحركة التي يوصف بانه من القلة الباقين من مؤسسيها، حين تيقن من فقدان حظوته فيها، وتأكد أنه تأخرعن اللحاق بقطارها، وهي تستعد لعقد مؤتمرها على الأرض الفلسطينية، التي يواصل القدومي رفض العودة إليها مشترطا لذلك الزوال الكامل للاحتلال، دون أن يبذل جهداً لتحقيق ذلك، واختار الرجل أسلوباً قاتلاً حين اتهم زميل الكفاح الطويل محمود عباس بالتآمر مع الإسرائيليين لقتل ياسر عرفات، مستنداً في اتهامه إلى محضر اجتماع سري بين الجانبين لوضع خطط لذلك، ويزعم أن عرفات سربه إليه قبل خمس سنوات، وبمعنى أن الاثنين كانا يعرفان تفاصيل محضر الاجتماع السري، وكان الأول ينتظر تنفيذه، بينما أبو اللطف يصمت صمت القبور لعدة سنوات قبل أن يكشف عن سره الثمين.
تفتق تفكير الرجل عن تناقض واضح حين أكد أن وثيقته أصلية، وأن كل معلوماتها صحيحة، لكنه في الوقت نفسه لا يتهم أحداً بالتورط في اغتيال عرفات، ودعا من يشك في صحة ذلك أن يثبت عكس مضمونها، وكأن من حقه أن يعلن ما يشاء ويطالب الآخرين بنفيه، حتى لو كان المعلن كذبة كبيرة تستند إلى كم هائل من الغموض، ولا يستطيع عاقل فهم كيف وصل المحضر إلى عرفات ثم إلى القدومي، ولماذا صمت عليها حتى تحدد مكان وزمان مؤتمر فتح العتيد، وبأي حق يزعم الرجل أن بيان اللجنة المركزية حيال الموضوع كاذب ومضلل، لكن ذلك يتضح حين يقول إن مضمون وثيقته المزعومة لا يهم فتح لوحدها بل كافة قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية، وبمعنى أن فتح التي ساهم بتأسيسها لم تعد تعنيه، وهو يدرك أن ما أعلنه يهدد وحدة الحركة الأم في تاريخ الثورة الفلسطينية.
من حق رئيس السلطة ومن واجبه محاسبة القدوميAعلى كافة المستويات التنظيمية، بعد إطلاقه جملة من الأكاذيب والقنابل الدخانية لتعطيل المؤتمر الفتحاوي، الذي سينعقد رغم كل محاولات تعطيله، بما في ذلك ما سماه القدومي قنبلة هيدروجينية، سيتبين لاحقاً أنها لن تتجاوز كونها فقاعة جرى تضخيمها اعتماداً على ماضي القدومي وليس استناداً إلى واقعه الحالي حيث لم يعد يمثل شيئاً، بعد أن تجاوزته الاحداث والظروف، وبعد رفضه كل محاولات تجسير الهوة مع رئيسه الذي يمتلك ثقلاً راجحاً يمنحه أفضلية تقرير حاجات الحركة التي يقودها معتمداً على حسه الوطني، وليس على تأييد هذه العاصمة أو تلك.
حقيقة الامر أن عباس يطمح إلى تطوير فتح بما يتناسب مع ما طرأ على القضية الفلسطينية من تطورات. ولعله راغب بتحويلها إلى حزب سياسي، يتعامل مع الأحداث من هذا الأساس، في حين يسعى القدومي إلى الحفاظ عليها حركة مقاومة مسلحة، رغم أن ذلك لن يتيح لها تحقيق شيئ من أهدافها، لكنه يحقق الكثير من أهدافه، التي يراهن لتحقيقها على مقاطعة عدد من ابناء الحركة لمؤتمرها المقبل، لكنه يتجاهل أن اتهاماته تمسّ الوحدة الوطنية الفلسطينية وهي سابقة لم يجرؤ أحد عليها قبله، ويتجاهل أن انعقاد مؤتمر فتح على أرض فلسطين سيؤدي بالضروؤة إلى ولادة جديدة للحركة، لن تكون مكانته محفوظة فيها.
القدومي المعارض لاتفاقية أوسلو بعد توقيعها، رغم أنها كانت بين يديه قبل ذلك، ومنعته انشغالاته الثورية من الإطلاع عليها، يقف اليوم وعلى أعتاب مرحلة جديدة من مسيرة فتح ليتاجر بدم عرفات بطريقة مذلة ومهينة، بحثاً عن انتصارات تنظيمية، ويتناسى أن السلطة التي يرأسها عباس شكلت لجنة تحقيق يرأسها إبن شقيقة الزعيم الراحل عن أكثر من سبعين عاماً، ولم تتوصل إلى موته مسموماً، أو نتيجة مؤامرة يقودها عباس ودحلان، وكنا نتمنى أن لايختتم الرجل حياته السياسية بهذا الموقف العجيب.