لويا جيرغا !!

يأخذ البعض على مؤتمر ''فتح'' الأخير، الذي أهم نتائجه أنه أعطى القيادة لجيل الشباب وللدماء الجديدة مع الاحتفاظ ببعض الرموز التاريخية من قبيل ''التـجسير'' والتواصل، أن العوامل العشائرية والقبائلية والجهوية قد لعبت الدور الرئيسي في انتخاباته وربما أن هذا فيه بعض الصحة إن ليس كل الصحة فالوضع الفلسطيني هو جزء من الوضع العربي العام والعرب ورغم كل هذا التقدم المنقول عن الغرب نقلا فإن هذه العوامل لا تزال تشكل المؤثر الرئيسي في انحيازاتهم السياسية.
وهنا فإن ما هو ربما غير معروف أن الإصطفافات السياسية والولاءات الحزبية في إسرائيل لا تزال تتشكل على أساس الخلفيات الجغرافية فالمهاجرون من روسيا لهم حزبهم الخاص والمهاجرون من المغرب لهم تكتلاتهم في كل الأحزاب التي ينتمون إليها وكذلك المهاجرون من اليمن والعراق وذلك في حين أن القادمين من بولندا بقوا هم الذين يحكمون هذه الدولة التي تصر على أن قيمها غربية إلى أن حصل ذلك الانقلاب الشهير عندما فاز اليمين المتطرف بقيادة مناحم بيغن في نهايات سبعينات القرن الماضي.
حتى بالنسبة لبريطانيا فإن المرأة الحديدية مارغريت تاتشر كانت تحصل على نسبة أصوات في منطقة ''كريستال بالاس''، التي هي منطقتها، أعلى مما كانت تحصل عليه في المناطق الأخرى إن في لندن وإن في عموم بريطانيا وكذلك فإن السياسيين الذين ينتمون إلى سكوتلاندا أو ويلز كانوا ولازالوا يحصلون على النسب الأعلى من الأصوات في مناطقهم الأصلية.
ثم وبالنسبة للبنان فإن العوامل الجهوية تتضافر مع العوامل الطائفية والقبلية والعشائرية والمذهبية لتتشكل كل هذه الأحزاب السياسية على هذا الأساس ولتخاض المعارك الانتخابية وفقا لهذه الولاءات فالحزب التقدمي الاشتراكي، إن بقيادة كمال جنبلاط وإن بقيادة نجله وليد جنبلاط، الذي يعتبر نفسه ''أبو العروبة'' و''أبو اليسار'' لا يوجد فيه لا على مستوى القيادة ولا على مستوى القاعدة ولو عضوا واحدا من غير الطائفة الدرزية وهذا بالنسبة للطائفة المارونية ينطبق على حزب الكتائب وعلى حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع وعلى تيار الإصلاح بقيادة الجنرال ميشال عون وعلى حزب قوات المردة في الشمال بقيادة الحفيد سليمان فرنجية.
وأيضا فإنه لا يوجد لا في حركة ''أمل'' ولا في حزب الله عضو واحد مـــن خارج طائفة ''المتاولة'' الشيعية على المذهب الجعفري الإثني عشري وكل هذا رغم الشعارات الجميلة التي يرفعها هذا الحزب وترفعها هذه الحركة عن العروبة والإسلام وعن المواطنة اللبنانية الصادقة.
وكذلك فإن هناك دولا عربية، تحكمها أحزاب تعتبر نفسها تقدمية ويسارية وقومية، لا تخلو من كل هذه التأثيرات المذهبية والطائفية والجهوية.. بل إنها تعاني أكثر مما تعانيه الدول التي تعتبر لا هي تقدمية ولا هي يسارية من هذه الآفة التي تفعل فعلها في العراق الذي حكمه حزب قومي لعقود طويلة والذي كان يلعب فيه الحزب الشيوعي دورا رئيسيا في الحياة السياسية.
هناك شيء في أفغانستان يسمى ''لويا جيرغا'' التي هي مؤتمر دوري عام بقي يعقده زعماء وشيوخ القبائل والعشائر التي تنتسب إلى انتماءات عرقية ومذهبية متعددة منذ تاريخ بعيد كلما واجهت بلادهم معضلة أو استجدت فيها أزمة وهو بقي يعقد إن الآن وإن في عهد طالبان وعهد برهان الدين رباني وغلب الدين حكمتيار وقبل ذلك في العهد الشيوعي وفي عهد الانقلاب على الملكية بقيادة الجنرال داود.. ولذلك ونظرا لأنه ثبت فضل هذه الديموقرطية الأفغانية فانه يبدو أنه من الأفضل أن تلجأ الدول العربية التي تواجه مشاكل وتعاني من أزمات إلى الـ ''لويا جيرغا'' وذلك حتى وإن كانت فيها أحزاب قومية واشتراكية ويسارية وعلمانية!!.