ام محمد وام سعد
ما من مشوار الى اربد مع الصديق الدكتور محمد الشياب من دون ان نتوقف في الذهاب والاياب عند عريشة التنك التي بنتها ام محمد دلال كمصدر رزق لعائلتها الكبيرة.
ففي تلك العريشة المقابلة لمسجد النور على طريق اربد, تعيش عائلة كاملة على (بكرج) قهوة ام محمد التي تفوق مقاهي وكافتيريات عمان الغربية في ذائقتها ونظافتها.
وفي الحقيقة, فاننا لا نشرب قهوتنا ونمضي فثمة حكايات جديدة في كل مرة, تصر ام محمد على ان ترويها لنا بأدق التفاصيل, وكنا نستمع لها واقفين احيانا او جالسين على كراسي أكل الدهر عليها وشرب ولا ندري من اين حصلت عليها كنا نستمع بعفوية وطيب خاطر لا مجاملة ولا نفاقا.
فحكايات ام محمد تلخص وتكثف معاناة عاشها ولا يزال كل فقراء الاردن وتظهر في الوقت نفسه صلابة غير عادية في مواجهة هذه المعاناة من اجل لقمة كريمة شريفة. فعلى بعد امتار من عريشة التنك بيت صغير ظل مسرحا (لحرب طاحنة) بين ام محمد وبين الافاعي والعقارب السامة التي باتت هذه المرأة المكافحة خبيرة في انواعها والوانها وتكتيكاتها.
ومن حكايات الافاعي الى حكايات اولادها وبناتها مع الاقلام والدفاتر وفانوس الكاز كلما قطعوا الكهرباء عنها.
في آخر زيارة لدلال (ام محمد) وكنت مع الدكتور الشياب في طريقنا لتعزية الاستاذ الدكتور الصديق محمد الحموري بوفاة والدته, قابلتنا ام محمد باخبار (غير سارة) فقد قررت محافظة جرش هدم العريشة واضافت لحشد هممنا وفيما يشبه التهديد بأننا سنفتقد لقهوتها وحكاياتها, ولذلك علينا ان نفعل شيئا قبل فوات الاوان.
ولم تكن سلبية او مستسلمة فقد اتصلت كما اخبرتنا, بالاذاعة وتحدثت عن حقوق الانسان قليلا.
غادرنا العريشة وكان طعم القهوة مراً كالعلقم لكن صورة (ام سعد) عند غسان كنفاني كانت حاضرة ايضا.