المصفاة والحصرية

قبل عام تقريبا رفضت الحكومة احد عروض الائتلافات الاستثمارية المهتمة بمشروع توسعة مصفاة البترول الاردنية بحجة انه كان يريد امتيازا لمدة عشر سنوات في حين اقترح مجلس الوزراء ان تكون الحصرية لثلاثة اعوام مما ادى في النهاية الى فشل عطاء التوسعة حينها وتأجيل المشروع.
الحكومة اليوم وافقت بعد نقاش طويل على منح المصفاة وشريكها الاستراتيجي المقبل امتيازا حصريا لمدة 15 عاما مما اثار تساؤلات حول الاسباب التي دفعت الحكومة للتخلي عن موقفها السابق بعد ان ابدى احد الصناديق المالية الاستثمارية اهتماما بالمشروع, ومن يقف وراء هذا التوجه?
يبدو ان الحكومة شعرت انها تأخرت كثيرا بمشروع توسعة المصفاة وان الامر ليس في صالحها على الصعيد المالي فبعد ان كان الحديث قبل اربع سنوات عن انشاء مصفاة جديدة للاردن بقيمة تبلغ 1.2 مليار دولار, باتت اليوم تكلفة اقل مصفاة من حيث الحجم والانتاج والتكرير تتجاوز ال¯ 3.5 مليار دولار, ومن المعلوم ان في المنطقة تقوم السعودية الآن بتوسعة لمصفاة لها في ينبع بقيمة 9 مليارات دولار في حين ان الكويت طرحت عطاء لبناء مصفاة جديدة ب¯ 14 مليار دولار.
الحكومة تسعى اليوم لانجاز احد ابرز المشاريع الحيوية للمملكة, وتتطلع لان يتم ابرام اتفاقية التوسعة للمصفاة بتكلفة تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار في عهدها, وبدأت بخطوات سريعة نحو هذا الاتجاه, وشكلت لجنة خاصة بذلك.
مسألة الحصرية الممنوحة للمصفاة والمستثمر اثارت تساؤلات عدة حول مشروعيتها ومدى تطابقها مع معايير منظمة التجارة العالمية التي ترفض الامتيازات او تجديدها, لكن في الواقع ان هذا الامر يتطلب ترويا في المعالجة والتعاطي مع الاسباب الخفية التي دفعت الحكومة لمثل هذا التوجه في هذا الوقت بالذات, فهناك عزوف واضح من قبل المستثمرين في القدوم للمنطقة عامة والمملكة خاصة حيث اظهرت الاحصاءات الرسمية تراجع التدفقات الاستثمارية في النصف الاول بنسبة تجاوزت ال¯ 67 بالمئة, وبالتالي ليس من السهل ان تطرح الحكومة عطاء وتنجح فيه, والامثلة كثيرة, حيث اخفقت الحكومة في عدة عطاءات وقامت بتأجيلها اكثر من مرة مثل الجيل الثالث وميناء العقبة والبريد والسكة وغيرها من المشاريع.
قد يكون من المفيد اخذ العبر والدروس من المشاريع التي جرى خصخصتها في السابق, والتعامل بخصوصية في موضوع المصفاة لارتباطها المباشر بمسألة الامن الاقتصادي والاجتماعي للاردنيين, لذلك فان المصفاة يجب ان تبقى للاردنيين وخاضعة للسيطرة الحكومية فيما يتعلق بالتسعيرة, وليس صحيحا ان المستثمر الجديد باستطاعته فرض السعر الذي يحلو له بالنسبة للمشتقات, وهذا من شروط عطاء التوسعة غير الخاضع للتعديل او التغيير.
دخول شريك بحصة النصف تقريبا لا يعطيه حق التحكم في مسألة التوزيع, فهو يستثمر في وحدات التكرير والانتاج والنقل, ويبقى قرار تغطية المملكة بالمحروقات قرار سياديا, ومعروفا للجميع ان مصفاة البترول لم تقطع الاردنيين من المحروقات طيلة الخمسين عاما الماضية حتى في ظل اصعب الظروف, والكل يتذكر ما قامت به المصفاة في ازمة المحروقات الاخيرة عندما امتنع اصحاب المحروقات عن طلبيات الشراء عندما زودت محطات الشمال والجنوب بالمحروقات وان يقوم اصحابها بدفع اثمانها, فمن سيجبر الشريك بهذا »اللّوك« المتعلق بالامن الاقتصادي في حال تفرده بالقرار, شروط العطاء تعطي الحكومة وادارة المصفاة الرسمية مواصلة تلك السياسات.
الحكومة اليوم ستعرض شروط الحصرية الجديدة للمصفاة والشريك على الائتلافات الاستثمارية المهتمة بمشروع التوسعة, وليس صحيحا ان هناك صندوقا استثماريا أحيل عليه العطاء, صحيح انه الوحيد الذي قدم عرضا في العطاء الاخير لكن حق الامتياز سيمنح من جديد على كل المهتمين بالمشروع من جديد, فاليوم القضية الحاسمة هي مسألة من يتمكن من تحقيق الغلق المالي للمشروع في ظل ظروف الازمة المالية العالمية.
صحيح مطلوب شفافية اكثر من الجهات المعنية حول الخطوات التي اتخذت والتي ستتخذ فيما يتعلق بالشريك, لكن مطلوب ايضا اعطاء المهلة الكافية للمعنيين كي يدرسوا افضل الخيارات لمشروع المصفاة.0