هيئات ومؤسسات

شكل انتشار الهيئات أو المؤسسات التابعة للمجتمع المدني الظاهرة الأكثر بروزا بين الظواهر المرافقة للعودة إلى الحياة الديمقراطية منذ العام 1989 ، بحيث تزايد عدد هذه الهيئات إلى مستويات قياسية عن السابق وتنوعت اختصاصاتها وبرزت هيئات ومؤسسات لم تكن قائمة أو موجودة من قبل، وتحسن مستوى انتشارها الجغرافي بحيث لم تعد حكرا على المدن الرئيسة وإنما امتدت لتشمل مناطق لم تصلها في السابق مثل الأرياف والبوادي.

 وكل ذلك من حيث الكم يشكل نقلة ايجابية لكن على مستوى آخر غير المستوى الكمي فان جملة أخرى من المعطيات والحقائق تبرز ربما بصورة معاكسة.
فمن ناحية، إذا ما قورن هذا التحسن مع الواقع في الدول الغربية على اعتبارها النموذج الديمقراطي المستند إلى المجتمع المدني ومؤسساته فان الفارق ما زال واسعا سواء بالنسبة إلى  عدد المؤسسات والهيئات أو من حيث عدد المواطنين المنضويين تحت واحدة أو أكثر من هيئات ومؤسسات المجتمع المدني بالنسبة للعدد الكلي للسكان.
ومن ناحية ثانية، لا زال الأثر أو التأثير الناشئ عن هذه المؤسسات يكاد يكون غير ملحوظ باستثناءات فردية لا قطاعية مع احتفاظ هيئات العون والمساعدة والهيئات الطائفية والجمعيات الخيرية  بسجل أوفر من التفاعلات ، مقابل ضعف عام في التأثير والفاعلية بالنسبة إلى مؤسسات المشاركة العامة ذا ت الصبغة الثقافية والاجتماعية وذات الاهتمامات المتخصصة مثل حقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية والحريات العامة والمشاركة والبيئة وغيرها من الهيئات المتخصصة بالإضافة إلى الأحزاب السياسية.
ومن ناحية ثالثة، فقد برز تنامي التفاعلات العمودية لهذه المؤسسات مع الدولة وأجهزتها وسلطاتها وغابت التفاعلات الأفقية والتنافس بين الهيئات ذاتها أو تضامنها تجاه بعض القضايا في مواجهة أو شراكة مع السلطة وهذا ناشئ إما بفعل القوانين التي تحكم عمل هذه الهيئات أو من خلال التقاليد التي كرستها الحكومات المختلفة أمام هذه المؤسسات، بحيث باتت هذه الهيئات في حالة انغلاق يكاد يكون شبه تام بين بعضها البعض بحيث تعمل كل هيئة في مجال منفصل عن الأخرى وكذلك كل قطاع من الهيئات في معزل عن القطاع الآخر، مع ضمور واضح في قاعدة العضوية وتقلص عضوية الشباب بشكل خاص في هذه الهيئات بشكل ربما بات يستوجب الدراسة.
ومن ناحية رابعة، نشوء هيئات جديدة مستقلة أيضا عن هذه الهيئات وبدعم من الدولة مثل هيئة شباب كلنا الأردن والهيئات الشبابية التابعة للمجلس الأعلى للشباب وغيرها التي تعمل ايضا بشكل مغلق ومنعزل عن الهيئات الأخرى وفي غياب للرؤية التشاركية والبنائية التي يمكن أن تنتج عن هذا الكم من الهيئات ، وهو الامر الذي لن يحقق ايضا الفائدة من الهيئات التي تنشأ لغاية صقل مهارات الشباب وإكسابهم القدرة الايجابية اللازمة للمشاركة الواسعة في مؤسسات المجتمع المدني.

حالة انغلاق الهيئات على بعضها البعض حالة غير مفهومه لأنها لا تكرس بناء مجتمع مدني رشيد ومؤسسات متنافسة وإنما تنشئ مجموعة من المجتمعات المتجاورة والمتنافرة المتوجسة من بعضها البعض، كما ان حالة غياب التفاعلات الأفقية بين الهيئات بعيدا عن الضبط الحكومي وغياب فضاء الترابط الحر المشترك يفقدنا واحد من أهم الاسسس اللازمة لبناء وإسناد المجتمع المدني.

 لذلك يمكن القول انه لدينا مؤسسات وهيئات مدنية لكنها إلى الآن قد لا تؤسس لترسيخ مجتمع مدني قوي وفاعل بقدر ما قد تؤدي الى تقويضه لانها ليست اكثر من عناوين لمقار بدون مضمون.