عامان في عّمان

عنوان هذه المقالة لكتاب من تأليف خير الدين الزركلي. صدر هذا العام عن الدار الاهلية للنشر. وفيه يروي مذكراته عن عامين في عاصمة شرق الاردن بين 1921 - 1923 . والزركلي من رجالات حزب الاستقلال السوري الذين تركوا دمشق بعد سقوط عرش الملك فيصل الاول على يد الجنرال الفرنسي غورو. وقد شغل خلال هذين العامين مناصب مدنية وعسكرية في شرق الاردن.
اهمية هذه المذكرات انها تتناول عامين حاسمين في تشكيل امارة شرق الاردن برئاسة الامير عبدالله بن الحسين. وان كانت قد جاءت باسلوب المذكرات الا انها سرد تاريخي بالغ الاهمية, ولم يسبق لي ان وجدت في الكتب التي تناولت تاريخ الامارة مثل هذه المعلومات التي توثق لتلك الفترة باسلوب شاهد على العصر لا باسلوب المؤرخ الاكاديمي الخالي من الحياة.
يذكر الزركلي ان الامير (الملك) عبدالله بن الحسين رحمه الله, الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة الحجاز. استقل القطار الصاعد الى الشمال مع مجموعة من مرافقيه قاصدا معان. وقد استغرقته الرحلة 27 يوما. فالقطار كان بحاجة الى الوقود, الذي كان يوفر من قطع الاخشاب على جانب السكة, واحيانا كان يتم اصلاح سكة الحديد التي دمرت في الحرب. وقد وصل الى معان في 21 تشرين الثاني عام 1920 .
استقبل في معان من شيوخ الحويطات ووادي موسى وعدد من السوريين من رجال حزب الاستقلال وبدأ الامير باعداد العدة لتحرير بلاد الشام من الاحتلال الفرنسي. فقام بارسال الوفود واصدار البيانات لتوزع في مناطق الشمال من معان حتى دمشق. ومن معان اصدر جريدة صغيرة اسمها "الحق يعلو" وقد كتب تحت عنوانها "جريدة عربية ثوروية تصدر مرة في الاسبوع" وعنوان الجريدة هو "المقر" اي "مقر سمو الامير". وقد اطلق على الامير في معان لقب "نائب جلالة الملك" لانه جاء لينوب عن اخيه الملك فيصل في انقاذ سورية.
كتاب الزركلي لا يحتمل العرض في مقالة او مقالتين لان كل ما فيه يقرأ. وسأحاول اختصاره برؤوس اقلام. دخل الامير عمان في 2 آذار 1921 واستقبلته حشود من الجماهير. كان شرق الاردن خاضعا لعدة حكومات يوجد في كل منها ضابط اداري بريطاني. عدد السكان كان 320 الفا, وموازنة جميع الحكومات 120 الف جنيه استرليني. وعدد المدارس 23 مدرسة منها مدرستان ثانويتان.
اهم الاحداث بين عامي (21 - 23) هي: اتفاق الامير مع تشرشل (وزير المستعمرات البريطاني) في القدس على انشاء امارة شرق الاردن. وذلك بعد 25 يوما من وصول الامير الى عمان. وثاني هذه الاحداث - تشكيل حكومة برئاسة السوري رشيد طليع. الذي وضع شرطين امام الامير لقبوله المنصب (1) ان تكون حكومته دستورية ذات مجلس نيابي منتخب. (2) ان يكون حرا في العمل بجبل حوران الى حيث ينتمي.
وثالث اهم الاحداث, التي وقعت في عام 1922 نجاح العشائر الاردنية بزعامة مثقال الفايز وحديثه الخريشة ومنور الحديد في الحاق الهزيمة بجيش الوهابيين الذي هدد عمان بوصوله الى سهل ام العمد على اطراف العاصمة وكان عدد المهاجمين 1500 رجل. وقد رفض البريطانيون الاشتراك في القتال.
يعرض الزركلي بالتفصيل احداث تمرد كليب الشريدة في الكورة عام 1921 . فلقد كان على رأس القوة التي ارسلت لاخضاع الشريدة. لكنه فشل ووقع في أسر كليب. وعلى اثر ذلك تم رفع عدد قوات الامن من 750 الى 1500 رجل.
ويفرد الزركلي بابا وجدولا للالقاب التي وزعها الامير على شيوخ واعيان البلاد. وهي القاب تبدأ بـ (الباشا) ثم (الاميرالي) و(القائمقام) و(البكباشي) و(اليوزباشي).
وبين جميع من أنعم عليهم الامير بالالقاب انفرد الشيخ سلطان العدوان بلقب (فريق) الى جانب الباشوية فيما نال الباقون وعددهم (40) لقب (اميرالاي) الى جانب لقب الباشا.
في الختام. الف خير الدين الزركلي كتابه (عامان في عمان) في القاهرة عام 1925 ويقول في المقدمة : لقد وعدت القارئ بنشر ما شاهدته او علمت به خلال عامين اقمتهما في عمان قاعدة "حكومة شرق الاردن" او "حكومة شرقي الاردن" او "عبر الاردن" او "الشرق العربي" او "حكومة الشرق العربي" او غير ذلك من مختلف الاسماء والنعوت التي اعتادت ان تُسمىّ بها حكومة هذه المنطقة.