جودة في نيويورك.. خطاب لا يلحظ المتغيرات

عرب الاعتدال بحاجة الى وقفة لمراجعة استراتيجيتهم في عملية السلام
28/9/2009
في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك اعاد وزير الخارجية ناصر جودة التأكيد على المواقف الاردنية التقليدية من الصراع العربي مع اسرائيل وهي »مفاوضات جادة تفضي الى انجاز حل الدولتين, الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة عام 1967 وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وانهاء الاحتلال للاراضي السورية واللبنانية« واكد جودة ايضا بطلان كل الاجراءات الاسرائيلية في القدس الشرقية والاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. في مسألة حق العودة للاجئين اتسم حديث جودة بالتعميم رغم ان الاردن هو الدولة المضيفة لاكبر عدد منهم فهو لم يشر صراحة الى حق العودة واكتفى بالدعوة الى »حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على اساس قرار الامم المتحدة رقم ..194« والقرار المذكور ينص على حق العودة والتعويض لكن اسرائيل تتنكر له تماما, اما الحل المتفق عليه الذي تبنته من قبل المبادرة العربية للسلام فهو غير متوفر اليوم ويعني بالنسبة لاسرائيل توطين اللاجئين في دول الشتات ورفض مبدأ العودة من اساسه.
كان يمكن لخطاب جودة ان يتخذ مسارا ومضمونا اخر لو ان الادارة الامريكية التزمت بوعدها اطلاق خطة للسلام في المنطقة, لكن فشل جهود جورج ميتشل وتمسك نتنياهو بمواقفه المتشددة قوض فرصة الحل التاريخية التي طالما تحدث عنها وزير الخارجية وراهن عليها. فالرئيس الامريكي لم يقدم في خطابه سوى »اطار سياسي مرجعي للمفاوضات« ووعد بجولة جديدة لمبعوثه ميتشل لا يستطيع احد ان يراهن على نجاحها بعد كل الذي سمعناه من نتنياهو في نيويورك. بيد ان خطاب جودة لم يلحظ هذه المتغيرات وهو يردد نفس الامنيات بدور امريكي ودولي تذكر بالايام الاولى لعهد اوباما المتحمس.
الخطاب الاردني والعربي عموما يواجه مأزقا كبيرا لم يعد بالامكان اخفاؤه بتكرار ذات العناوين عن المفاوضات »الجادة« لان اسرائيل وببساطة رفضت العرض الامريكي العربي وقدمت عرضا بديلا مهينا للغاية ومدمرا ايضا. الدبلوماسية الاردنية والفلسطينية ومعها دول الاعتدال العربي الاخرى بُنيت على الموقف الامريكي واستندت لوعود اوباما الحاسمة والقاطعة.
في نيويورك اتضح ان الادارة الامريكية غير قادرة على اقناع اسرائيل بتبني خيار حل الدولتين وفق التعريف الدولي فما الذي يمكن فعله عربيا للوصول الى مقاربة سياسية ودبلوماسية جديدة بعد سقوط الورقة الامريكية.
ما اعنيه ان الخطاب الاردني والعربي »المعتدل« لم يعد صالحا للمرحلة المقبلة ويتجاهل المعطيات المستجدة في الصراع والتغير الحاصل في الموقف الامريكي والاجراءات الاسرائيلية على الارض. فبينما كان وزير الخارجية يندد في نيويورك بالسلوك الاسرائيلي في القدس المحتلة كانت عصابات صهيونية من قطعان المستوطنين تحشد لاقتحام باحات المسجد الاقصى فيما عجلة الاستيطان تبتلع مزيدا من الاراضي وقد لا تترك ممرا للرئيس الفلسطيني يعود منه الى رام الله.
واذا وضعنا جانبا خطاب وزير الخارجية فان الدبلوماسية العربية في نيويورك كانت ضعيفة وغير فعالة مقارنة مع الدبلوماسية الاسرائيلية.
لا تقع على الاردن وحده مسؤولية اعداد تصور جديد لمواجهة الصراع مع اسرائيل وانما على عاتق العرب جميعا فبعد الذي حصل في نيويورك ينبغي على وزراء الخارجية العرب ان يتداعوا الى الاجتماع سريعا لاستخلاص الدروس والبحث عن حلول خلاقة للخروج من المتاهة.0