حزب الله بشهادة إسرائيلية

أخذتنا غرائز البعض المذهبية إلى حيث لا نشتهي ، وبدل أن نقف وقفة إنصاف أمام القتال البطولي لحزب الله والمقاومة اللبناية في حرب تموز 2006 ، رحنا نمطر الحزب بوابل الاتهامات ، ونغرقه في مستنقع بيروت وزواريب ضواحيها.
لكن الإنصاف لبطولات المقاتل اللبناني جاءه من حيث لا يحتسب ، تارة من تقارير فينوغراد ، وأخرى من التبديل المتعاقب للقيادات العسكرية الفاشلة ، وثالثة من شهادات الجنود الإسرائيليين وتصريحاتهم التي نشرتها الصحف وبالأخص على صفحات الـ"فيسبوك".
آخر هذه الشهادات ، العلمية الموثقة هذه المرة ، تلك التي نُشرت في فصلية معرخوت العسكرية الإسرائيلية ، وهي عبارة عن دراسةً لرئيس فرع التطبيقات في سلاح البحرية الإسرائيلي ، المقدم الدكتور روبي سندمان ، أكد فيها تفوّق حزب الله على الجيش الإسرائيلي في جوانب ميدانية عديدة ، حيث اعتمد الضابط الإسرائيلي في بحثه الحائز على جائزة رئيس أركان الجيش ، منهجية طلب بمقتضاها من 24 ضابطاً رفيع المستوى من رتبة مقدم فما فوق ، إعطاء علامات تقدير في مجالات ترتبط بالحرب ، فكيف جاءت النتيجة؟.
سجل حزب الله تفوقا على إسرائيل في خمسة مجالات هي: الاستخبارات ، الاستراتيجيا ، القيادة ، السعي للحسم والتأهيل والتنظيم ، وسجلت إسرائيل تفوقا على الحزب في خمسة ميادين أخرى هي: السيطرة ، القوى البشرية ، الإمداد ، الأسلحة والتكنولوجيا.
ظاهريا تبدو النتيجة وقد حسمت بالتعادل ، والتعادل هنا هو فوز محقق لحزب الله بكل ما للكلمة من معنى ، فنحن نقارن بين دولة وحزب ، دولة هزمت دولا مجتمعة في ست ساعات ، وحزب ينتشر في شريط من لبنان ، وبين فئة من اللبنانيين ، وليس جميعهم.
ثم أن الميادين التي تفوقت فيها إسرائيل على الحزب ، هل الأقل أهمية ، وتندرج في سياق تحصيل الحاصل ، فمن الطبيعي أن تتوفر للدولة طاقة التعبئة والتجنيد للقوى والموارد البشرية فضلا عن الأسلحة وفرص الإمداد والتكنولوجيا ، بما لا يقوى أي حزب مهما عظم على تأمينه ، ومن الطبيعي أن تكون للدولة قدرة على السيطرة من المواقع الآمنة وغرف العمليات المحصنة ضد هجوم نووي ، ما لا يتوفر للعنصر البشري في حزب الله.
في المقابل ، تبدو الميادين التي سجل فيها حزب الله تفوقا مثيرة للاهتمام ، ليس بالنظر لما تعكسه من صلابة قتالية وروح جهادية استشهادية فحسب ، بل ولما تنطوي عليه من قدرات علمية وتنظيمية وتدريبية هائلة ، جعلت الحزب يتفوق في ميادين الاستخبارات والاستراتيجيا والقيادة ، ولا حرب ولا نصر ، من دون التفوق في هذه الميادين.
قيمة الدراسة لا تقتصر على ما خلصت إليه من دروس وتقييمات لحرب مضت ، بل في ما تضمنته أيضا من نبوءات تخص قادم الحروب والمعارك ، فالمقدم سندمان ، خلص من قراءة تصريحات حسن نصرالله ، بنتيجة مفادها أن الحزب "سيجتاح في الحرب المقبلة شمال إسرائيل ، وتحديداً منطقة الجليل ، بواسطة الآلاف من المجموعات التي تتكوّن كلّ منها من أربعة إلى خمسة مقاتلين ، مدرّبين جيداً ويحملون أسلحة رشّاشة متوسطة ، وصواريخ مضادة للدروع ، إضافةً إلى قنّاصات وأسلحة خفيفة ، مشيراً إلى أنه فور دخول هذه المجموعات إلى إسرائيل ، سيحظون بمساعدة من البنية التحتية التي سيوفّرها السكان العرب ، في إشارة إلى فلسطينيي أراضي عام ,1948
ويؤكد الضابط الإسرائيلي أن "ليس لدى الجيش الإسرائيلي ردّ على سيناريو مشابه ، حتى الآن ، وليس قادراً على منع هذه المجموعات من دخول إسرائيل.. بل إن تفوق سلاح الجو لم يعد قاطعاً ، وعدد المطارات قليل ، وتقع جميعها اليوم في مدى الصواريخ ، واصفا سلاح الجو الإسرائيلي بـ"الجبار المحبوس في جسد قزم".
وبصرف النظر عمّا إذا كانت تقديرات سندمان صحيحة أم مبالغ فيها ، فإن من حق حزب الله أن يفخر بأنه بات هاجس العسكرية والجنرالات الإسرائيليين ، ومن حقه على أمته أن تكف عن محاولات "إسقاطه وإغراقه وشيطنته" وهذا أضعف الإيمان.