"حماس" المحاصرة تمنح الحرية للأسرى

فيديو "شاليط" عربون لا يسترد اذا ما افشلت اسرائيل مفاوضات الصفقة الكبرى
3/10/2009
لم يحظ قادة حماس بزيارة نيويورك ليخطبوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة, ولم يتنازلوا عن شرطهم وقف الاستيطان مقابل لقاء نتنياهو, ولم يساوموا على دماء الضحايا في غزة عند مناقشة تقرير غولدستون في جنيف. لم يفعلوا شيئاً من ذلك كله, ظلوا في حصارهم وغربتهم ومع ذلك كانوا الأقدر على فرض شروطهم وادارة لعبة المفاوضات غير المباشرة وفق مصالحهم. نجحوا في تحويل قضية الجندي شاليط الى كابوس يؤرق اسرائيل وقادتها. لأول مرة من سنوات يتمكن الفلسطينيون من تكريس ممارسة عادلة لنظرية التبادل التي حكمت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية وتحولت مع مرور الوقت الى مسلسل تنازلات من طرف واحد مقابل لاشيء للفلسطينيين. كي يتأكد الاسرائيليون ان شاليط حي يرزق كان عليهم ان يدفعوا الثمن, والثمن الحرية لعشرين اسيرة فلسطينية لم تفلح المصافحات والاحضان الدافئة بين قادة السلطة والاسرائيليين في تأمين زيارات لهن. مقابل شريط فيديو لا تزيد مدته على دقيقة واحدة يظهر فيه شاليط حيا يتحدث تنسمت عشرين مناضلة فلسطينية من عدة تنظيمات فلسطينية الحرية.
من كان يصدق ان حماس المحاصرة في غزة والملاحقة في الضفة والخارج العربي تستطيع ان تفرض شروطها على اسرائيل. بينما تقف دول وانظمة حانية الرأس امامها?!.
تعلّم الاسرائيليون الدرس من تجربة التبادل الصعبة مع حزب الله اللبناني الذي "حرق" اعصاب الاسرائيليين قبل ان ينال ما يريد مقابل جنديين اسرائيليين تبين عند لحظة التبادل فقط انهم قتلى. حماس ايضا استفادت من الدرس اللبناني ولسان حالها يقول: ماذا تدفعون مقابل معلومات محدودة عن حياة شاليط.
دفع الاسرائيليون الثمن فورا ووافقوا على اطلاق سراح الاسيرات العشرين وهم يتلهفون لمشاهدة شريط الفيديو.
تأكد الاسرائيليون ان شاليط حي وهذا سيجعلهم اكثر حرصا على انجاح صفقة التبادل الكبرى مع حماس عبر الوساطة المصرية والالمانية.
بمعنى اخر, فان اطلاق سراح الاسيرات مجرد »عربون« لا يسترد في حال افشلت اسرائيل المفاوضات المقبلة لمبادلة شاليط مقابل ما لا يقل عن الف اسير فلسطيني ثلثهم من المحكومين بالمؤبدات والأحكام الطويلة.
لم يسبق لاسرائيل ان قدمت تنازلات في ملف الاسرى الا بهذه الطريقة قبل قيام السلطة الفلسطينية وبعدها باستثناء حالة واحدة او حالتين افرجت اسرائيل فيها عن معتقلين فلسطينيين من اصحاب التهم الجنائية وكان ذلك مقابل, تنازلات سياسية من السلطة الفلسطينية.
ليس في ملف الأسرى وحسب وانما في كل قضايا الصراع لا تقدم اسرائيل التنازلات الا اذا وجدت نفسها مضطرة وتحت الضغط الجدي لا الراعي الامريكي اجبرها يوما على التنازل ولا مبادرات السلام والتطبيع كان لها مقابل. لقد وقعت اسرائيل معاهدة سلام مع الأردن ولم تفرج عن اسرى قبل المعاهدة إلا بعد 12 عاما على توقيعها ووفق شروطها ايضا حيث نقل »الاسرى الاربعة« الى سجن اردني لاكمال مدة محكوميتهم.
يتنقل قادة السلطة في رام الله ببطاقات الـ (V.I.B) الاسرائيلية بينما يقبع اكثر من 12 الف اسير فلسطيني في سجون الاحتلال. اسماعيل هنية وصحبه من قادة حماس محاصرون في غزة لا يستطيعون الانتقال من حي الى آخر في غزة ورغم ذلك كانوا قادرين على فرض شروطهم على اسرائيل. أي دلالة تحمل هذه المفارقة وأي دروس مستفادة لمدمني المفاوضات من العرب والفلسطينيين?!.