تطوير القضاء فـي ضوء التوجيه الملكي، ومرحلة فك الاشتباك

حين أكد جلالة الملك عند استقباله رئيس محكمة التمييز الجديد الاستاذ راتب الوزني على (أن تطوير الجهاز القضائي وتحديثه يشكل أولوية قصوى يجب اتخاذ خطوات عملية وفاعلة وسريعة لتحقيقها) وأكد جلالته على استقلال القضاء وضمان وجود بيئة قانونية تعزز سيادة القانون ونزاهة القضاء.
وبالعودة الى كتاب التكليف السامي لحكومة السيد نادر الذهبي بتاريخ 22112007 فقد جاء فيه (ولأن العدل هو أساس الملك وفيصل الحقوق والواجبات. فإن مرفق القضاء سيبقى صمام الأمان ضد أي هفوات وتجاوزات. وعليه نؤكد على أهمية تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتطوير الجهاز القضائي بالتنسيق مع المجلس القضائي، وذلك من أجل توفير البيئة الضامنة لاستقلالية القضاء ونزاهته وترسيخ مبادئ سيادة القانون وتكافؤ الفرص).
فاننا نفهم أن المهمة الموكولة الى الحكومة والمجلس القضائي مهمة تكاملية هدفها تنفيذ استراتيجية وطنية لتطوير الجهاز القضائي بالتنسيق المشترك والتعاون بين الحكومة والمجلس القضائي وهو تعاون لا يتناقض أطلاقا مع استقلال القضاء حين تعرف الحكومة وبالذات وزارة العدل الخط الفاصل بين التعاون ومحاولات التدخل والهيمنة، اذ من المستحيل على القضاء عمليا وتشريعيا أن يتدخل في عمل الحكومة ولكن من السهل على الحكومة التأثير على البيئة القانونية التي تؤثر في سيادة القانون ونزاهة القضاء، وهي البيئة التي أشار اليها جلالة الملك.
لقد شهدت الاشهر الماضية عملية مناكفة حادة بين وزارة العدل وبين المجلس القضائي أدت الى وقف عملية تعيين القضاة الجدد الذين ينتظرون تنسيب وزير العدل الى المجلس القضائي منذ تسعة أشهر، في حين جرت عملية شد وجذب وخلاف بين الوزارة وبين المجلس على أسماء واحالات الى التقاعد، وصدور تشريعات تمس صميم عمل القضاء دون التنسيق مع الجهاز القضائي ودون بحثها باستفاضة مع القضاة الممارسين في المحاكم وخاصة الجزائية منها وأبرز مثال التعديلات على قانون أصول المحاكمات الجزائية التي بدأت مثالب بعضها تتضح للقضاة منذ الشهر الاول لنفاذها، وقانون المالكين والمستأجرين الذي بدأ القضاة يستشعرون حجم الكارثة القادمة والخلخلة الاجتماعية بسببه خلال العام القادم، ومحاولات فرض أسماء على الجهاز القضائي، ورفض الاستقلال المالي للجهاز القضائي أسوة بمجلس الامة، وابقاء صلاحيات الوزير بالتنسيب بتعيين القضاة بحيث يستطيع الوزير التنسيب بمن يراهم هو مناسبين وليس بمن يراهم المجلس القضائي أصلح للقضاء، والمشروع الفاشل لتجميع المحاكم خلافا لرغبة القضاة والمواطنين.
وفي الوقت الذي عززت فيه الحكومة أوضاع كبار الموظفين في الجهاز الاداري بالامتيازات ومنحت إعفاء جمركيا للسيارات لفئات معينة من العاملين وحتى المتقاعدين فانها تستمر في مناكفة ستماية قاض برفض منحهم إعفاء جمركيا لسياراتهم في الوقت الذي يمنع عليهم القانون ممارسة أي عمل أخر خلاف القضاء ويلزمهم العرف ومدونة السلوك القضائي بدرجة عالية من العناية بمظهرهم وتقييد علاقاتهم الاجتماعية وحرمانهم من ممارسة العمل السياسي والحزبي، وحتى لو أراد قاض أن يبيع سيارته القديمة فانه يخشى المفاوضة على ثمنها حتى لا يقع في شبهة الاتجار بالسيارات، أفلا يستحق القضاة تعزيزا لاستقلال القضاء ونزاهته أن ننأى بهم عن الحاجة الى الآخرين أو عن وضعهم في موقف اجتماعي يختال عليهم فيه من لا يقدمون للمجتمع شيئا ويأخذون ولا يعطون، ومن المؤسف أن نرى رؤساء محاكم يقودون سياراتهم البالية بينما ينعم رؤساء أقسام وسكرتيرات في بعض الوزارات والمؤسسات المستقلة بسيارات فارهة وسائق يقضي حتى حوائج المنزل ؟؟ بينما بقيت الارض التي تكرم بها جلالة الملك على القضاة بدون شوارع ولا خدمات حتى اليوم.
ان العمل لتنفيذ الاستراتيجية وعملية التطوير التي أشار اليها الملك مرتين في حديثه الى الحكومة وحديثه الى القضاء قد تكون هي أحد مبررات التغيير في رئاسة المجلس القضائي مرتين خلال فترة وجيزة ونأمل الآن من معالي الرئيس الجديد الذي عايش وزارة العدل والقضاء والمحاماة أن ينجح في فك الاشتباك وفصل القوات.