الجديد الخطير ..فـي دواء صغير!

منذ زمان طويل وأنا - بحكم المهنة وما هو أوسع من ذلك وأعمق - احاول أن أساهم مع كثيرين غيري في الدفاع عن صحة الناس من اخطار تحدق بهم حتى حين تأتي من قبل الاطباء المتجاوزين أو الصيادلة الذين يبيعون الادوية بدون وصفة طبية ناهيك عن مروجي الأعشاب بزعم أنها طبية وهم لا صيادلة ولا أطباء! ولقد نالني جراء ذلك عنت وظلم من ذوي القربى أي الصيادلة الذين ظلوا يأخذون كلامي على محمل الهجوم عليهم وربما اقتنعوا آخر الأمر أنني كنت ادافع عن مهنتهم للسمو بها فوق مستوى التجارات العادية، فهي في نظري - كالطب تماما - علم وخلق انساني رفيع قبل أن تكون وسيلة لكسب الرزق فحسب! في مجال اختصاصي الطبي تحديدا نبهت من اخطار ادوية الرشح والسعال التي تباع مع العديد غيرها بدون وصفة طبية بل على الكاونتر OTC ، وهي طريقة ابتدعتها أميركا وألبستها ثوب الشرعية بضغط من صناعة الادوية ذات النفوذ الكبير وذلك تهربا من الوصفة وترويجا واسعا لمنتجاتها التي تغري بتخفيف الأعراض وبالطبع لا تشفي الأمراض! حتى صارت أدوية كثيرة تعرض مع السلع الأخرى على رفوف السوبر ماركت! في منتصف الثمانينات كان اعتراضي على إضافة مادة الكودايين الى تلك الادوية لأنها مخدر مثله مثل المورفين والبثيدين، وخضت في سبيل ذلك معركة مع نقابة الصيادلة ومصانع الادوية الاردنية تكللت في النهاية بالنجاح في منع اضافة الكودايين فأصبح منذ ذلك الوقت يباع حصرا في الصيدلية بوصفة خاصة وتحت رقابة مشددة لكن - مع الاسف - بعد اكتشاف حالات إدمان عديدة بين تلاميذ المدارس والعمال الوافدين! ثم فيما بعد وعلى مدى سنوات .. تحدثت كثيرا من باب النصح والتوعية - بلا طائل - عن أضرار مكونات حبوب الرشح وأشربتها التي تضم في العادة ثلاث مواد: واحدة مسكنة للألم لا غبار عليها والثانية ضد الحساسية لتقليل العطس والسيلان مع أنهما ضروريان للتخلص من فضلات المرض في الأنف لكن هذه المادة تسبب النعاس وقلة التركيز واضطراب التوازن، ولقد كتبت قبل سنوات: من يدرينا أن الباص الذي سقط بطلاب المدرسة في شمال الاردن كان سائقه قد تناول بعضا من هذه الحبوب ليعالج بها رشحا بسيطا فأدت الى فقدان سيطرته على حافلته وحدثت المأساة! والمادة الثالثة ؟ السودو إيفيدرين ؟ لتسهيل تنفس الانف بأنكماش بطانته إذ تقلص الاوعية الدموية الدقيقة لكن ذلك يحرم منطقة الالتهاب من عناصر الدم المقاومة لسموم البكتيريا والفايروسات إضافة الى أن لها آثارا جانبية كالخفقان الشديد ويمكن أن تؤدي عند مرضى القلب الى مضاعفات منها الجلطة .. وهنا عند هذه المادة الثالثة بالذات - السودو إيفيدرين - نتوقف لنأتي الى بيت القصيد .. الجديد! فقد استمعت قبل أيام الى احد علمائنا الاجلاء في الصيدلة وصناعة الدواء يتحدث في جلسة خاصة عن ضبط كميات كبيرة من حبوب الرشح في طريقها للتهريب لدولة أخرى من أجل استخدامها في تجارة آثمة بتحويل مادة السودو إفيدرين فيها بعملية كيماوية بسيطة في مختبرات سرية الى مادة ممنوعة دوليا هي الميتامفيتامين ( أو الأمفيتامين ) المعروفة منذ وقت طويل كدواء منبه واستعملها الطلاب كثيرا حتى في زماننا باسم البنزدرين للمساعدة على السهر طويلا لمراجعة الدروس ليالي الامتحانات كما بدأ الرياضيون في العقدين الاخيرين يستعملونها كمنشط محظور وعند اكتشاف ذلك تم تشديد الرقابة عليهم ومن يضبط يعاقب بقوانين صارمة عدا الفضيحة والبهدلة! هذا بالاضافة الى أن لها نتائج أخرى كارثية تشبه تلك التي للادمان على تعاطي الكوكايين و .. القات! ولقد جاء في الانباء الصحفية يوم 9/10/2009 أن رئيس الوزراء النيوزيلاندي جون كي (( أعلن أن بلاده ستفرض قيودا على مبيعات عقاقير الرشح والانفلونزا في محاولة لمحاربة الاستخدام المتزايد لمخدر الميتامفيتامين المحظور)) وتقول شرطة نيوزيلاندا (( أن مخدر الميتامفيتامين هو أكبر مشكلة عقاقير في البلاد وهو مسؤول عن عدد من جرائم القتل وجرائم العنف الأخرى )) وقال جون كي (( إن الحكومة ستغير القانون المتعلق بأقراص الرشح المحتوية على السودو إفيدرين المكون الرئيسي المستخدم في التصنيع المحظور لمخدر الميتامفيتامين المعروف باسم /الثلج أو/ بي وهو مخدر خطير يسبب الادمان ويدمر الارواح وسيكون تغيير القانون بجعل هذه الاقراص متاحة فقط من خلال الوصفات الطبية ..)) .
وبعد .. أرأيتم أين يصل بالبشرية جشع أصحاب صناعة الادوية العالمية من خلال استغلال واحدة من أقدس المهن الانسانية ألا وهي الصيدلة ؟