حالة المعرفة في العالم العربي

لسنا في العالم العربي بحاجة إلى تقرير جديد يوثق الحال البائس للمعرفة والعلوم والتعليم في دولنا ومجتمعاتنا ، فهذه الأوضاع باتت معروفة منذ صدور التقرير الأول حول التنمية الإنسانية في العالم العربي في العام 2003 والتقرير الثاني في العام 2004 والذي ركز على مجتمع المعرفة. ولكن القيمة الاساسية لتقرير المعرفة العربي الصادر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأسبوع الماضي أنه قدم وللمرة الأولى تشخيصا متكاملا ومنظومة من التوصيات الهامة للانتقال نحو مجتمع المعرفة في العالم العربي وتجاوز الأزمات الراهنة.
لقد كان التقرير واضحا في وضع اللوم على نقص الإرادة السياسية لا نقص الموارد في ضعف الإنجاز التعليمي في العالم العربي وقيام الحكومات العربية بالإنفاق على الأمن اضعاف ما ينفق على التعليم والمعرفة ، خاصة أن معظم هذا الإنفاق هو لأغراض السيطرة الأمنية الداخلية وليس للمواجهات والحروب الخارجية.
الإحصائيات التي يوردها التقرير مفزعة ، وقد تميز التقرير في الحرص على فرز هذه الإحصائيات حسب الدول لأن العالم العربي ليس متجانسا في التنمية وتعتبر معادلة الموارد وإدارتها مختلفة في دول الخليج النفطية أو الدول ذات الاقتصاد النفطي المختلط (ليبيا والجزائر) أو الدول ذات الاقتصاد المتنوع (الأردن وسوريا ولبنان ومصر وتونس والمغرب) أو الدول التي تعاني من الفقر والصراعات الداخلية والاحتلال. ومع ذلك فإن وجود 60 مليون شخص أمي في العالم العربي لهو رقم مفزع يستدعي التعامل بجدية معه خاصة أن معظم هذه الحالات في بلدان فضلت حكوماتها الإنفاق على السلاح والأمن أكثر من التعليم. يعتمد التقرير أيضا منهجية المؤشرات التي يستخدمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في قياس التنمية البشرية والتي تضع دول الخليج وليبيا في المقدمة ، مع أن فرز المؤشرات الخاصة بالتعليم والمعرفة يضع الأردن وتونس والكويت ولبنان والإمارات في المراكز الأولى.
في مجال البحث العلمي اشار التقرير إلى أن اجمالي الانفاق على البحث العلمي فى 17 دولة عربية يقدر بـ(0,2%) من ناتجها المحلي الاجمالي واضاف ان معدل نصيب المواطن العربي من مجمل ما ينفق على البحث 10 دولارات فى السنة وقال ان معدل الانفاق فى هذا الصدد بمعظم الدول العربية يقدر (0,3%) من الناتج المحلي الاجمالي باستثناء تونس والمغرب وليبيا التي يصل فيها الانفاق الى معدلات أعلى من 0,07%.
وشكا التقرير من وقوع الدول العربية تحت تأثير فكرة (نقل التقانة) مع امتلاكها لمؤسسات ومراكز عامة وخاصة للبحوث العلمية. وقال التقرير ان الامارات العربية المتحدة هي الدولة العربية الاعلى مستوى فى مرتكز نظام الابداع تليها قطر ثم الاردن أسوأ المؤشرات على الإطلاق هي تلك المتعلقة بالنشر والقراءة حيث تشير إلى أنه إذا وزع مجموع الكتب المنشورة سنويا على عدد السكان يكون لكل 19150 مواطنا عربيا كتاب واحد فقط ، بالمقارنة مع كتاب لكل 491 مواطنا إنجليزيا ولكل 713 مواطنا إسبانيا ، أي نصيب المواطن العربي من إصدارات الكتب يمثل 4% و5% من نصيب المواطن الإنجليزي والإسباني على التوالي. أما المؤشرات الإيجابية فهي مرتبطة بشكل اساسي بنمو استخدام اللغة العربية في الإنترنت والتي زادت بنسبة تعتبر الأعلى في العالم (في المقارنة الإقليمية) ووصلت إلى 20,64% خلال السنوات الثماني الماضية. مثل هذه المؤشرات الإيجابية تؤسس لقاعدة من العمل المشترك نحو الوصول إلى مجتمع المعرفة ، وهذا ما سيتم تسليط الضوء عليه في مقال الغد.
batirw@yahoo.com