الوجه العربي لقرار عباس

يوم الخميس الماضي اعلن الرئيس الفلسطيني, محمود عباس انه قرر عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة, وتفسير هذا عزمه على الاعتزال مع الاقرار بوصول نهجه السياسي الى طريق مسدود, وهو الذي راهن على ان المفاوضات هي السبيل الوحيد للمواجهة مع اسرائيل.
قرار عباس لا يمكن النظر اليه كقرار شخصي فقط يخصه وحده, انه ينسحب بطريقة فورية على النهج السياسي لدائرتين من دوائر العمل العربي المساند للقضية الفلسطينية, الدائرة الاولى, تضم ما يسمى بدول الاعتدال وهي تشمل مصر والسعودية والاردن ودول الخليج او ما يطلق عليها (6 +2). اما الدائرة الثانية, فهي مؤسسة القمة التي تبنت المبادرة العربية.
بالنسبة لدول الاعتدال, لقد خسرت كثيرا من نهجها المعتمد الذي راهن باكثر مما هو منطقي على الادارات الامريكية, مرة اثناء عهد بوش الذي اعتقدت عواصم الاعتدال انه جاد في حل القضية الفلسطينية من اجل تغطية تورطه في احتلال العراق وحرب افغانستان, ومرة اخيرة في عهد ادارة اوباما الحالية عندما وضعت العواصم ايديها وارجلها في مياه باردة بانتظار حزم وحسم الصديق اوباما.
لقد سقطت كل هذه الرهانات, ولم يكن احد قادر على الاعتراف بذلك حتى جاء اعلان عباس الاخير »بالنية في الاعتزال« ليكشف الوضع على حقيقته, وهو فشل سياسة الاعتماد الكامل على الوعود الامريكية بشكل خاص والوعود الامريكية - الاوروبية بشكل عام »في اللجنة الرباعية«.
واكثر من ذلك, يمثل اعلان عباس صحة المقولة التي عادة ما ترددها قوى الممانعة والمعارضة العربية, وهي ان اسرائيل لا تريد السلام, ولا تريد رؤية دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الى جانبها.
لقد سمعت من احد نواب الكنيست العرب, وذلك عشية مؤتمر انابوليس, ان محمود عباس يمثل بالنسبة لقادة اسرائيل الخطر الاكبر »وكان ذلك في عهد اولمرت الذي يقف على يسار نتنياهو« وعندما طلبت منه تفسير ذلك, اجاب: الاسرائيليون كانوا دائما يستغلون عدم وضوح مواقف وتصريحات ياسر عرفات للتشكيك في مصداقية التزاماته بالسلام والاتفاقات معهم, لكن عباس مارس, بالقول والعمل, ما جعل قادة اسرائيل عاجزين عن توجيه اي اتهام له بسوء النية وفي عدم الرغبة الصادقة باقامة السلام, واضاف محدّثي, وهذا ما يزعج قادة اسرائيل, الذين لا يريدون اي نوع من السلام مع الفلسطينيين يرغمهم على الانسحاب من القدس والضفة الغربية.
اعتزال عباس, او عزمه على الاعتزال على قاعدة يأسه وفشل نهجه, يقدم اكثر من درس للعواصم العربية المعتدلة بشكل خاص, ولمؤسسة القمة العربية على العموم, وهي ان موازين القوى الحالية, بين الفلسطينيين وبين اسرائيل وبين العرب واسرائيل لا يمكن, بل من المستحيل ان تنتج سلاما لا على اساس المبادرة العربية ولا على مرجعية خارطة الطريق وقرار .242
لا بد من عمل فلسطيني - فلسطيني, وعربي - عربي جاد من اجل بناء توازن عسكري وسياسي واقتصادي وشعبي في مواجهة الغطرسة الصهيونية المستندة الى التحالف والشراكة مع امريكا, ان مجرد البدء بالعمل فلسطينيا وعربيا لبناء مثل هذا المناخ كفيل بجعل شعارات المفاوضات وعملية السلام ذات معنى, والا فان كل ما يجري بوجود محمود عباس او في غيابه, هو تضييع للوقت وضحك على الذقون.0