ما لا يقبل التأجيل!!

قد يفوّت المثقفون العرب وبالتحديد الفلسطينيون منهم فرصة تاريخية الى الابد اذا لاذوا بالصمت ازاء ما جرى وما يستمر في الجريان ، وهي الفرصة التي اضاعها الروائي الفرنسي فلوبير على حد تعبير سارتر عندما ادار ظهره لما جرى خلف نوافذ منزله. ولعل ما يحدث الان من انفراط وتسيب وبلطجة سياسية وانفلات امني وانشقاق آخذ في التفاقم ليس نبتا شيطانيا ، فما حبلت به الايام هو الذي استولدته القابلة وربما استبدلته،،
لقد انتهى الامر الى البحث عن النجاة باي ثمن ، ومن سبق كما يقال اكل اللحم والمرق وليس النبق فقط ، والثوار المتقاعدون زبائن لارقى واغلى الفنادق والمنتجعات في العالم ، ومن كان يستحلب لعاب الفقراء وهو يعدهم باعادة الاعتبار اصبح الان يطبخ لحمهم بدون ذبح ، وبالامس جرى حوار صريح بيني وبين متقاعد لا يشكو الا من منع التدخين في الطائرات وتزوير الكافيار الروسي وعدم معرفة ابنه الاصغر باللغة العربية دفعني على الفور الى صرخة لا سبيل الى تأجيلها فما من اجل هذا مات الناس وشردوا وسجنوا ووعدوا بالعودة فعادوا لكن الى منفى آخر اكثر صقيعا ، تماما كما حدث لسانت مونت كريستو عندما حفر في جدار الزنزانة بحثا عن النجاح فوجد نفسه في زنزانة اضيق.
ولم يذهب بعيدا ذلك الصديق الذي قال ان للثورات ايضا صناديق تقاعد ، لكن من يتولى صرفها هم المستفيدون من تدجين الثورات ومن تحويل من كانوا راديكاليين وغلاة في مطالبهم من اجل التغيير الى غلاة في الدفاع عن كل ما جاؤوا ليغيروه ، ونالوا ما نالوا باسم هذا الشعار،
ان متوالية لا يتعذر رصد محطاتها هي التي اوصلتنا الان الى حافة الهاوية ، فهل كان الناس مضبوعين ولم يحالفهم الحظ فترتطم رؤوسهم بسقف المغارة ام ان الغواية كانت حاذقة ، عندما تقمص الكومبارس دور البطل.
ان من حق كل من فقد اخاه او ابنه او اباه او بيته في الطريق الى إيثاكا الموعودة ان يحول السؤال البريء الى مساءلة اخلاقية وقانونية ولا يمكن لعاقل او مجنون ان يتصور بان من تآمر على سعيد اخاه كي ينجو بمفرده قد ظفر بالنجاة ، اعرف اننا جميعا نشعر بالجرح اذا اقتربنا من هذا السكوت عليه بل المتواطأ عليه ، خشية من تأويل يصل حد التقويل ، فقبل اربعة عقود عجاف كتب د. صادق العظم كتابه في نقد فكر المقاومة ، وهو الكتاب اللاحق لكتابه نقد الفكر الديني ، ثم فوجئ بان اذاعة اسرائيل تقدم نماذج من الكتاب كي تخلط الاوراق ، لانها معنية بالدفاع عن اخطاء العرب باعتبارهم اعداء ، وهكذا صرنا نخاف من النقد الذاتي خشية من استثماره لمن يتربصون ويصطادون في الدم وليس فقط في الماء العكر ، لكن ما انتهت اليه الكوميديا الملونة والتي تتقلب من الاسود الى الرمادي والاحمر اصبح يتحدى وعينا كاطراف وكشهود ، وليس معقولا ان ينوب عنها صحفي سويدي او كاتب يهودي او ناشط ايطالي ، لاننا عندئذ سنتحول الى هباء ، لان الضحية الخرساء تنتهي محرومة حتى من الشهود ، وقد تكتمل الجريمة بسبب هذا الصمت،