منافسة هدامة في الاتصالات

المنافسة المشروعة مفيدة للمنتج والمستهلك، فهي تدفع المنتج لتحسين إنتاجه سواء كان بشكل خدمة أو سلعة، وتوفر للمستهلك سعرا مناسبا، وتؤدي عمليا إلى توسع العمل والإنتاج.
ما زلنا نذكر حالة الاتصالات عندما كانت مؤسسة حكومية تحتكر السوق، وكان المواطن ينتظر سنوات قبل أن تتكرم عليه المؤسسة بخط ثابت، يكلف 70 دينارا إذا انتظر الطالب دوره، وترتفع لبضع مئات من الدنانير إذا أراد تجاوز الدور وتلقي الخدمة الفورية.
كل هـذه المعاناة والتخلف انتهت بانتقال الاتصالات إلى القطاع الخاص، وفتح باب المنافسة، بحيث انخفضت كلفة الدقيقة من 245 فلسا عندما بدأت فاست لينك خدمة الاتصالات الخلوية في مطلع التسعينات، لتصل إلى فلس واحد أو فلسين هذه الأيام.
عند هذا الحد تصبح المنافسة نوعا من الاقتتال الذي يلحق الضرر بالقطاع، والهدف ليس تحقيق نتائج مالية تبرر التوسع والتحسين، بل مجرد توسيع الحصة من السوق.
يسهل عملية المنافسة الهدامة أن كلفة شركات الاتصالات ثابتة كلها تقريبا وغير قابلة للاسترداد، وزيادة أعداد المشتركين وأعداد المكالمات لا تكاد تزيد النفقات، ولذا فإن الشركة التي استثمرت في الآلات والأجهزة والموظفين تجد أن فلسا واحدا أفضل من لا شيء لأنه يمثل إيرادا بدون كلفة إضافية.
هذه الحالة تشبه المنافسة بين شركات الطيران، حيث أن زيادة الركاب أو إنقاصهم لا يؤثر على الكلفة فالطائرة ستقوم بالرحلة المقررة سواء كانت مقاعدها مشغولة بالركاب أم فارغة، أي أن التكاليف ثابتة، وتخفيض الأسعار يرفع حصة الشركة في السوق، ويزيد إيراداتها لولا أن الشركات الأخرى سوف تخفض أسعارها لمستوى أدنى، وبالتالي يخسر الجميع.
كما أن رفع أسعار خدمات الاتصالات يتطلب موافقة مسبقة من هيئة تنظيم قطاع الاتصالات للاقتناع بالمبررات، فإن تخفيض أسعار الخدمات يجب أن يخضع أيضا للموافقة بعد الاقتناع بالمبررات، وإلا فإن قطاع الاتصالات يوشك على الانتحار الذاتي.
في ظل تسعير الدقيقة بفلس واحد لن تقوم شركة بتحديث وتطوير معداتها وتحسين خدماتها، كما أن من يدفع فلسا واحدا للمكالمة ليس من حقه أن يطالب بخدمة جيدة ومستمرة.