الحالة الصحية للتعليم العالي في الأردن

التعليم العالي يحتضر أو مريض.. كلمات أصبحت مألوفة لوصف هذا الجهاز الراقي من قبل قادة التعليم العالي أو من كانوا في قيادته.. لا بل أن وزير التعليم العالي الحالي وصف التعليم العالي بأكثر من موقع بالمريض وفي موقع آخر وصفه وبالحرف الواحد التعليم العالي والبحث العلمي شهد تميزا عربيا وإقليميا ودوليا.
أمام هذه الحالة يتساءل المرء ما الذي يحدث؟ أهي السياسة؟ أم هي الغيرة الزائدة على الوطن؟ أهي الحالة الأردنية المزمنة شاغب تحصل على ما تريد أم هي البعد عن الواقع؟! أم هي أدبيات من هم خارج موقع القرار؟ أم هي الحالة النفسية المعروفة بجلد الذات؟ أم هي صراع الأجيال؟ أم هي حالة الإدمان على تولي المناصب وإلا......؟ كل هذا ممكن!
الواقع يقول ما يلي : بدأ التعليم العالي قبل أقل من خمسة عقود بإنشاء الجامعة الأردنية مقارنة مع جامعة كامبريدج التي بدأ التدريس بها قبل ثمانمائة عام إلى أن أصبح الآن في الأردن عشر جامعات رسمية وما يقارب ضعف هذا العدد من الجامعات الخاصة الربحية وعدد كبير من كليات المجتمع الرسمية والخاصة. أما عدد الطلبة في التعليم العالي عام 1962 فكان عدة مئات في الجامعة الأردنية مقارنة بحوالي ربع مليون طالب في عام 2008 منهم 17 ألف طالب دراسات عليا ومنهم 28 ألف طالب من الدول الشقيقة والصديقة. وهؤلاء الـ 28 ألف طالب من الدول الصديقة والشقيقة ومن أكثر من 62 دولة الذين يدخلون عملة صعبة للوطن لا تقل عن مائة مليون دينار سنويا.
هؤلاء الطلبة وأهلهم وحكوماتهم يتساءلون إذا كان أصحاب المناصب العالية في التعليم العالي أو من كانوا به يقولون أن التعليم العالي يحتضر أو مريض، فلماذا نشارك بهذا الجسم المريض؟
إن حجم الإساءة لسمعة الوطن أصبحت لا تطاق مهما كانت المبررات وحسنت النوايا.
أما البحث العلمي في الجامعات الرسمية الرئيسية فينشر أعضاء هيئة التدريس حوالي 8,0بحث لكل عضو هيئة تدريس سنويا مقابل بحث واحد على الأقل لكل عضو هيئة تدريس عالميا وهذه نسبة معقولة.
أما الأموال التي تصرف على البحث العلمي في الأردن فهي حوالي 4,0% من الناتج المحلي وهي نسبة معقولة إذا ما أخذنا بمعطيات الاقتصاد الوطني ومتطلبات التنمية الشاملة. وهذا الرقم بحاجة إلى مراجعة ووضع آليات وتطوير ثقافة البحث العلمي، ولكن الرقم مازال بعيدا عن ما يصرف على البحث العلمي عالميا.
معظم جهات التوظيف تفضل خريجي الجامعات الأردنية عن أي جامعات أخرى إذا استثنينا الجامعات الغربية، ولا نسمع إلا الإطراء على خريجي الجامعات الأردنية من قبل جامعات الغرب.
تفاعل جامعاتنا مع المجتمع واضحة في كل مجال فهناك ما يقارب من 150 ألف خريج من الجامعة الأردنية لوحدها ضخت في عروق الوطن. ناهيك عن التفاعل الإيجابي للجامعات مع المجتمع من خلال البرامج والمراكز المنتشرة في كل أنحاء الوطن ومركز الجامعة الأردنية في الحسينية خير مثال.
يرافق كل ذلك برامج جودة ومراقبة النوعية يقودها هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي الأردنية.
أما مقارنة مستوى التعليم العالي والبحث العلمي مع الدول المتقدمة فهذه مقارنة غير واقعية وغير منصفة فهذه جامعات أنشئت قبل مئات السنين وبعضها أنشئ قبل أن تقوم الدولة كما هو الحال في إسرائيل وسارت جنبا إلى جنب مع تطور تلك الدول وتجذرت لديهم ثقافة البحث العلمي منذ قرون، فالجامعة التي يعمل بها العالم العربي الكبير احمد زويل ترصد للبحث العلمي والتدريس ما يقارب المجموع الكلي لموازنة الأردن كاملة وفي احد أقسام جامعة هارفارد أعضاء هيئة تدريس يساوي المجموع الكلي لعدد أعضاء هيئة التدريس في جامعة حكومية مستقرة في الأردن، وحجم التبرعات في عام واحد لجامعة تورنتو تساوي ما يزيد عن عشرة أضعاف موازنات الجامعات الأردنية مجتمعه ويقال ان مجموع اقتصاديات العالم العربي بما فيه النفط لا يساوي قيمة اقتصاد دولة أوروبية مثل أسبانيا.
لم تحصل الجامعات العربية بشكل عام والجامعات الأردنية بشكل خاص على موقع متقدم في التصنيف العالمي للجامعات وهذا يجب أن يشكل محركا إيجابيا للجميع للعمل الدؤوب ومعرفة قواعد اللعبة.
أمام هذا الواقع ماذا نقول لمن يصف جسم التعليم العالي بالمريض!
يا أساتذتي الكرام الأردن حقق معجزة في تطور التعليم العالي والبحث العلمي ووضع استراتيجيات تكفل تقدمه. التعليم العالي في الأردن ليس المدينة الفاضلة ولا جنة الله على الأرض ولكنه بخير وسيكون أفضل، وهو قبلة أشقائنا وأصدقائنا.
قلت هذا في لقاء علمي في مؤسسة شومان وقلته في مؤتمر الرسائل الجامعية في الجامعة الأردنية وقلته في مؤتمر جمعية البحث العلمي الأخير.
فشعبنا متعلم مثقف يعشق العلم ومؤسسة التعليم العالي تلقى كل الدعم الحكومي بتوجيه من قيادتنا الهاشمية وما علينا إلا أن نتبنى الفكر الخلاق مع الترحيب بالنقد البناء وصحة التعليم العالي الأردني ممتازة تشابه عنفوان الشباب الذي يحتاج إلى مزيد من فيتامينات الدعم والتوجيه.