تحذيرات المالية لضبط الانفاق

تصريحات جريئة اطلقها وزير المالية في اجتماع خصص لضبط الانفاق العام الذي يشعر المواطنين انه بات مقلقا وغير مدروس ولا يتناسب مع موارد الدولة المحدودة ولا مع طبيعة التحديات التي تعصف بالموازنة العامة التي تعاني من أسوأ عجز مالي منذ عقدين من الزمان (892 مليون دينار في عشرة شهور).
وزير المالية باسم السالم اعترف ان تجاوزات مالية وإدارية في بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية من تعيينات وصرف مكافآت مالية وشراء سيارات وغيرها تعتبر هدرا للمال العام وتشكل عبئا على موازنات الدولة العامة.
اعترافات الحكومة بتلك التجاوزات وان كانت متأخرة هي بداية الاصلاح الحقيقي في اجهزة الدولة, وخطوة جادة للارتقاء بعمل المؤسسات العامة والمسؤولين معا, وهو انتقال الى محاسبة الذات قبل الحديث عن الآخرين, فلا يجوز للحكومة ان تطلب من المواطنين تحمل تبعات رفع الاسعار والضرائب والاعتماد على الذات في الوقت الذي يمارس فيه عدد من المسؤولين سلوكيات انفاقية تستفز مشاعر الاردنيين, من سيارات وسفريات ومياومات واتصالات وكأن الشعب الاردني مجبر على توفير تلك الامتيازات لاشخاص حصل بعضهم على المنصب بالوساطة والمحسوبية ولانه من اولاد المسؤولين, في الوقت الذي يوجد العديد من الكفاءات العلمية والادارية والفنية التي تستحق تلك المناصب لو خدمهم الحظ.
تصريحات الوزير ودعوته للكوادر الرقابية في الوزارات - بضرورة التعامل مع المال العام ضمن اسلوب انفاق مدروس يحقق الغاية النفعية العامة منه - يجب ان تترجم الى تعليمات صارمة بهذا الشأن لردع المسؤولين المتجاوزين من الذين يعتقد البعض منهم انه فوق القانون وان الصلاحيات الممنوحة لمؤسسته تعطيه الحق في الانفاق كما يحلو له بعيدا عن رقابة المالية العامة, وهذا السلوك اكثر ما نشاهده في المؤسسات والهيئات المستقلة, التي باتت اليوم جزرا مالية معزولة عن جسم الدولة المالي.
وزارة المالية طلبت من المراقبين الحكوميين اعداد تقارير شهرية عن الانفاق ورفعها للوزارة لتقييمها واجراء اللازم على ضوء ما تتضمنه من رصد لتلك التجاوزات, وهذا اسلوب رقابي فاعل سيحقق وفرا ماليا في حالة تطبيقه بشفافية وبطريقة علمية تحدد احتياجات المؤسسات ضمن أولويات محددة, فالهدف النهائي هو ترشيد الإنفاق العام المعتمد على مراقبة جميع المصروفات ودراسة اثر القرارات الإدارية التي تتخذ بشكل يخالف توجهات الحكومة نحو ضبط الإنفاق العام خاصة في هذه المرحلة.
الصعوبات التي تعترض عملية ترشيد الانفاق باتت واضحة للحكومة وهي عدم التزام كبار المسؤولين بمبدأ ترشيد الانفاق والتزامهم بقرارات الحكومة في هذا الشأن, اضافة الى الصعوبات التي تواجه عمل المراقبين الماليين في الوزارات والمؤسسات الحكومية التي من ابرزها تأخير صرف المطالبات في العديد من الدوائر الى نهاية العام مما يسبب ضغطا في العمل في شهري (,11 12) من كل عام وعدم وصول العديد من البلاغات والتعاميم والتعديلات على الأنظمة والقوانين لمديرية المراقبة والتفتيش, ومخالفة الوزارات والدوائر لقانون الموازنة العامة من حيث عدم الالتزام بالمخصصات المرصودة خصوصاً في نهاية العام, كما ان بعض الوزارات تأخذ استثناءات وموافقات من رئاسة الوزراء لصرف المكافآت المالية من دون الرجوع الى وزارة المالية مؤكدا ان ذلك مخالف للقانون, اضافة انه ورغم صدور تعليمات من رئاسة الوزراء لوقف التعيينات الا ان عددا من المؤسسات والوزارات لا زال غير ملتزم بالبلاغات والتعاميم وذلك بالتعيين خارج جدول التشكيلات تحت بند عمال مياومة.
تحذيرات وزارة المالية هي صحوة ان تترجم فورا الى سياسات ضبط حقيقية وتكون من خلال تعليمات مؤسسية تعطي لفرق التفتيش صلاحيات رقابية واسعة, فالظرف الراهن لا يستحمل تلاعبا او تهاونا في الانفاق.0