ليلة غاب العقل في أم درمان
تم نشره الأحد 22nd تشرين الثّاني / نوفمبر 2009 10:03 صباحاً
محمود الحويان
لم يكن العرب اول الشعوب ، الذين لعبوا كرة القدم ، ولن يكونوا اخر الناس ، لكن الفرق بينهم وبين بقية الشعوب ، ان الكرة تضربهم على وجوههم ، وتخترق عقولهم ، بينما الاخرون يفرحون بها ، وبنتائجها ، ويصفق المهزوم للفائز ، ويقابله بالاحضان.
حرب تافهة ، اشعلتها صافرة النهاية ، ليلة الاربعاء الماضي ، عندما صفـّر الحكم واعلن نتيجة المباراة من ام درمان ، بفوز الجزائر الشقيقة ، على مصر الشقيقة ، لكنه لم يدرك ان مباراة اخرى من نوع اخر ، ستبدأ بلا نهاية ، بل ان صفارته ، ستكون شعلة من نار ولهب.
اكثر من مئة وعشرين مليون عربي ، هم عدد سكان الدولتين المتنازعتين ، على كرة ليس بداخلها الا الهواء ، لكن هواءها القليل ، كان كافيا ان يهزّ الارض تحت اقدام الكثيرين ، المطالبين بالثأر والانتقام ، والتحقيق وايصال القضية الهامة والخطيرة ، الى مجلس الامن؟.
وحتى على المستوى الرسمي ، فان الاداء كان سيئا للغاية ، ويدعو الى الغثيان ، فكان تبادل التهم بالاهانات وكل طرف يردح للاخر ، ويعيّره ، وكأنك تشاهد سيدتين من على بلكونتيهما تتبادلان الشتائم ، وكثيرا شاهدنا ذلك في الافلام.
مسكين هذا السودان الشقيق ، الذي ينوء بهموم كثيرة ، والذي لا زالت خاصرته الجنوبية تنزف دما ، فجراحه كثيرة ، ودارفوره بركانها لا يزال يقذف الحمم في وجهه ، وارضه قاحله ، لكن شعبه طيب ، اما رئيسه فلا زال المسكين مطلوبا للمحكمة الدولية ، و قدره ان تكون المباراة على ارضه ، واجزم انه لم يكن له خيار في ذلك.
تم تحشيد الاعلام ورفع وتيرته ، وتوقفت الدنيا عند الصحافة ، التي نسيت كل شيء مهم حولها ، وتوشّحت عناوينها باخبار (الكارثة العظيمة) ، التي حلـّت ، فكلّ الصحف تدعو للتنديد والوعيد ، وطغى اللون الاحمر (وهو المطلوب الان) على اخبار المضايقات والشتائم والتحرشات.
تم استدعاء السفراء بين البلدين ، وهذا هو اول خيط في اللهب ، وتم توجيه اللوم والشجب والاستنكار ، بل ان بعض الاعلاميين ، الذين كنا ننظر اليهم على انهم من بين عقلاء هذه الامة ، سمعتهم يطالبون بان يتحرك عمرو موسى ، ذلك المسكين الذي يدير جامعة الدول العربية ، الواقفة في الهواء ، واي ريشة طائر على الارض ، اثقل منها وزنا.
قلت في نفسي ، وتمنيت لو ان اهل غزة ، لعبوا كرة القدم مع فريق اسرائيلي ، وفازت اسرائيل بهدف ، لعل وعسى ، ان تتحرك هذه الملايين من العرب ؟ اما وقد ارتوت الارض بالدماء ، وطارت الاشلاء في الفضاء ، وسحقت الاجساد الطاهرة بالدبابات ، وانتثرت الجثث على الارض ، فهذا لا يعني العرب في شيء ، وليس مبررا للتحرك على الاطلاق؟ قبل عدة اسابيع ، وفي محاضرة لاحد الخبراء العسكريين الاسرائيليين ، المتخصصين في التصنيع الحربي قال ، وبالحرف الواحد ( كلما صنعنا صاروخا ظهر العرب علينا بصحن جديد من السلطة)؟.
في برنامجي الحواري اليومي ، قلت في صباح الاربعاء (اتمنى ان يذهب بعض المسؤولين من البلدين ويحضروا المباراة) لعل ذلك يكون مهدئا ومانعا لاي شر ، يأتي بعدها ، لكن ذلك لم يحدث.
وللامانة اقول ، ان معنوياتي ارتفعت كثيرا في اليوم التالي ، (لنكسة المباراة) ، عندما حاورت قائد المستشفى الاردني (غزة 5 ) العقيد الدكتور محمود الكردي ، الذي اخبرني بان المستشفى ، يتعامل مع اكثر من 800 حالة يوميا ، وان العلاج يصرف للمئات ، وان العمليات الجراحية ، تجرى على مدار الساعة.
هنا اقول وبصوت عال ، ان الفرز الحقيقي لهذه الامة قد بدأ ، وان هذا البلد العظيم بانسانه ، والكبير بابنائه ، والعاقل بحكـّامه ، هو الذي يصنع المجد الحقيقي ، وهو الذي يعمل في سبيل الامة ، ما هو خير لابنائها.
أي هذا الاردن الابلج ، الذي يحمل الهمّ الفلسطيني بحق ، ويذود عن الاقصى بقوة وشراسة ، ويدافع عن قضايا الامة العربية في كل المحافل ، لك الله ما اروعك ، فكم رجل او امرأة او طفل ، دخل المستشفى بحال ، وخرج منها معافى ، يلهج بالدعاء ان جزاكم لله خيرا .
اعود لعمرو موسى ، الذي تم استدعاؤه على عجل ، وربما لم يعط الفرصة ليرتدي ثيابه ، ومن يدري ، هل ذهب حافيا ، وقد حمل اوراقه وقلمه ودفتر تلفوناته ، ليقوم بابلاغ المندوبين الدائمين ، والمؤقتين الحاضرين والغائبين اليقظين ، والذين يغطون في نوم عميق ، ان هلموا ، فقد اجتاحت جحافل اليهود شمال افريقيا ، ووصلت جيوشهم مدائن صالح ، ولم يبق من ارض العرب شبرا ، الا تم تدنيسه؟ ليس في الامر غرابة ، لكن الاغرب ، انه وعلى فرض ان حصوله حقيقة ، فلن يكون التحرك ابدا بهذا الحجم ، وهذا التحشيد .
قرات كتابا قبل عقدين من الزمن ويزيد ، بعنوان (الدنيا لعبة اسرائيل) وهو بالمناسبة لادميرال في الجيش الامريكي ، من اصل باكستاني يقول في احد فصوله (ان اسرائيل تستغل المناسبات الرياضية وخاصة كرة القدم في المباريات النهائية للتجسس على العالم وخاصة العربي) واتساءل من الذي له مصلحة بما يحدث بين القاهرة والجزائر؟. (للاسف ان الكاتب تم اغتياله بعد نشر الكتاب).
شعوب كثيرة واولها الصينيون ، الذين لهم الفضل باختراع كرة القدم ، لعبوا وبروح رياضية ، وتبعتهم الامم الاخرى ، لكنهم جميعا ابقوها عند اقدامهم ، ولم يرفعوها لتضرب وجوههم وعقولهم ، ولم يتحاربوا من اجلها.
اما العرب فهم من نوع اخر من الكائنات ، فهم كثيرون في العدد ، قليلون بالفائدة ، يلعبونها وصدورهم مليئة بالحقد على بعضهم البعض ، لان الكثيرين منهم ، لا يعرفون الروح الرياضية ، فالاسباب لديهم ، تختلف عن غيرهم.
فازت الجزائر وخسرت مصر ، او العكس ، لماذا لا يزالون على ارض الملعب غارقين في دموعهم ، ويتجهزون للانتقام؟ أي عقول واية اخلاق؟ أي وعي واية ثقافة؟ أي احساس بهموم الامة الحقيقة ، والاقصى يصرخ ويهتز في كل لحظة ، واي ضياع؟ بالمناسبة وارجو من القارىء الكريم ، ان لا يعتبره لحظة جنون مني ، او فقدان للعقل ، لكني فكرت بحق ، ماذا لو هدمت اسرائيل الاقصى ، مع صفارة النهاية؟ ارجوكم تخيلوا ذلك ، ما الذي سيفعله المئة والعشرون مليونا من الدولتين؟ والذين تحولوا جنودا ، ولكن من اجل كرة؟ هنا يكمن الفرق بيننا وبين الامم الاخرى ، انهم يلعبون ويستمتعون ، ويحتفلون بالفائز لانها رياضة ، ولان الكرة عندهم من هواء ، اما العرب وفي كل دولهم ، فانهم يلعبونها ، والفرق انها بالنسبة للكثيرين ، كرة من حقد وانتقام .
واختم بان سامح الله الاصدقاء الصينيين ، فقد حوّلنا كرتهم الجميلة ، الى باب من ابواب الفتنة والشر بيننا في كل مباراة ، ولو انهم عرفوا ذلك ما صنعوها ، او لذهبوا لمجلس الامن يطلبون منه حجبها عن العرب ، لانهم لا يقدّرون الرياضة؟.
بالمناسبة لن يقف الامر عند عمرو موسى ، بل وصلت الشكوى الى (بان كي مون) وانتم تعرفونه جيدا ، انه الذي اعلن الصيام منذ ايام ، احتجاجا على ارتفاع نسبة الجوع في العالم ، بينما اتخم العرب ليلتها ، وناموا جميعا بعمق .
حرب تافهة ، اشعلتها صافرة النهاية ، ليلة الاربعاء الماضي ، عندما صفـّر الحكم واعلن نتيجة المباراة من ام درمان ، بفوز الجزائر الشقيقة ، على مصر الشقيقة ، لكنه لم يدرك ان مباراة اخرى من نوع اخر ، ستبدأ بلا نهاية ، بل ان صفارته ، ستكون شعلة من نار ولهب.
اكثر من مئة وعشرين مليون عربي ، هم عدد سكان الدولتين المتنازعتين ، على كرة ليس بداخلها الا الهواء ، لكن هواءها القليل ، كان كافيا ان يهزّ الارض تحت اقدام الكثيرين ، المطالبين بالثأر والانتقام ، والتحقيق وايصال القضية الهامة والخطيرة ، الى مجلس الامن؟.
وحتى على المستوى الرسمي ، فان الاداء كان سيئا للغاية ، ويدعو الى الغثيان ، فكان تبادل التهم بالاهانات وكل طرف يردح للاخر ، ويعيّره ، وكأنك تشاهد سيدتين من على بلكونتيهما تتبادلان الشتائم ، وكثيرا شاهدنا ذلك في الافلام.
مسكين هذا السودان الشقيق ، الذي ينوء بهموم كثيرة ، والذي لا زالت خاصرته الجنوبية تنزف دما ، فجراحه كثيرة ، ودارفوره بركانها لا يزال يقذف الحمم في وجهه ، وارضه قاحله ، لكن شعبه طيب ، اما رئيسه فلا زال المسكين مطلوبا للمحكمة الدولية ، و قدره ان تكون المباراة على ارضه ، واجزم انه لم يكن له خيار في ذلك.
تم تحشيد الاعلام ورفع وتيرته ، وتوقفت الدنيا عند الصحافة ، التي نسيت كل شيء مهم حولها ، وتوشّحت عناوينها باخبار (الكارثة العظيمة) ، التي حلـّت ، فكلّ الصحف تدعو للتنديد والوعيد ، وطغى اللون الاحمر (وهو المطلوب الان) على اخبار المضايقات والشتائم والتحرشات.
تم استدعاء السفراء بين البلدين ، وهذا هو اول خيط في اللهب ، وتم توجيه اللوم والشجب والاستنكار ، بل ان بعض الاعلاميين ، الذين كنا ننظر اليهم على انهم من بين عقلاء هذه الامة ، سمعتهم يطالبون بان يتحرك عمرو موسى ، ذلك المسكين الذي يدير جامعة الدول العربية ، الواقفة في الهواء ، واي ريشة طائر على الارض ، اثقل منها وزنا.
قلت في نفسي ، وتمنيت لو ان اهل غزة ، لعبوا كرة القدم مع فريق اسرائيلي ، وفازت اسرائيل بهدف ، لعل وعسى ، ان تتحرك هذه الملايين من العرب ؟ اما وقد ارتوت الارض بالدماء ، وطارت الاشلاء في الفضاء ، وسحقت الاجساد الطاهرة بالدبابات ، وانتثرت الجثث على الارض ، فهذا لا يعني العرب في شيء ، وليس مبررا للتحرك على الاطلاق؟ قبل عدة اسابيع ، وفي محاضرة لاحد الخبراء العسكريين الاسرائيليين ، المتخصصين في التصنيع الحربي قال ، وبالحرف الواحد ( كلما صنعنا صاروخا ظهر العرب علينا بصحن جديد من السلطة)؟.
في برنامجي الحواري اليومي ، قلت في صباح الاربعاء (اتمنى ان يذهب بعض المسؤولين من البلدين ويحضروا المباراة) لعل ذلك يكون مهدئا ومانعا لاي شر ، يأتي بعدها ، لكن ذلك لم يحدث.
وللامانة اقول ، ان معنوياتي ارتفعت كثيرا في اليوم التالي ، (لنكسة المباراة) ، عندما حاورت قائد المستشفى الاردني (غزة 5 ) العقيد الدكتور محمود الكردي ، الذي اخبرني بان المستشفى ، يتعامل مع اكثر من 800 حالة يوميا ، وان العلاج يصرف للمئات ، وان العمليات الجراحية ، تجرى على مدار الساعة.
هنا اقول وبصوت عال ، ان الفرز الحقيقي لهذه الامة قد بدأ ، وان هذا البلد العظيم بانسانه ، والكبير بابنائه ، والعاقل بحكـّامه ، هو الذي يصنع المجد الحقيقي ، وهو الذي يعمل في سبيل الامة ، ما هو خير لابنائها.
أي هذا الاردن الابلج ، الذي يحمل الهمّ الفلسطيني بحق ، ويذود عن الاقصى بقوة وشراسة ، ويدافع عن قضايا الامة العربية في كل المحافل ، لك الله ما اروعك ، فكم رجل او امرأة او طفل ، دخل المستشفى بحال ، وخرج منها معافى ، يلهج بالدعاء ان جزاكم لله خيرا .
اعود لعمرو موسى ، الذي تم استدعاؤه على عجل ، وربما لم يعط الفرصة ليرتدي ثيابه ، ومن يدري ، هل ذهب حافيا ، وقد حمل اوراقه وقلمه ودفتر تلفوناته ، ليقوم بابلاغ المندوبين الدائمين ، والمؤقتين الحاضرين والغائبين اليقظين ، والذين يغطون في نوم عميق ، ان هلموا ، فقد اجتاحت جحافل اليهود شمال افريقيا ، ووصلت جيوشهم مدائن صالح ، ولم يبق من ارض العرب شبرا ، الا تم تدنيسه؟ ليس في الامر غرابة ، لكن الاغرب ، انه وعلى فرض ان حصوله حقيقة ، فلن يكون التحرك ابدا بهذا الحجم ، وهذا التحشيد .
قرات كتابا قبل عقدين من الزمن ويزيد ، بعنوان (الدنيا لعبة اسرائيل) وهو بالمناسبة لادميرال في الجيش الامريكي ، من اصل باكستاني يقول في احد فصوله (ان اسرائيل تستغل المناسبات الرياضية وخاصة كرة القدم في المباريات النهائية للتجسس على العالم وخاصة العربي) واتساءل من الذي له مصلحة بما يحدث بين القاهرة والجزائر؟. (للاسف ان الكاتب تم اغتياله بعد نشر الكتاب).
شعوب كثيرة واولها الصينيون ، الذين لهم الفضل باختراع كرة القدم ، لعبوا وبروح رياضية ، وتبعتهم الامم الاخرى ، لكنهم جميعا ابقوها عند اقدامهم ، ولم يرفعوها لتضرب وجوههم وعقولهم ، ولم يتحاربوا من اجلها.
اما العرب فهم من نوع اخر من الكائنات ، فهم كثيرون في العدد ، قليلون بالفائدة ، يلعبونها وصدورهم مليئة بالحقد على بعضهم البعض ، لان الكثيرين منهم ، لا يعرفون الروح الرياضية ، فالاسباب لديهم ، تختلف عن غيرهم.
فازت الجزائر وخسرت مصر ، او العكس ، لماذا لا يزالون على ارض الملعب غارقين في دموعهم ، ويتجهزون للانتقام؟ أي عقول واية اخلاق؟ أي وعي واية ثقافة؟ أي احساس بهموم الامة الحقيقة ، والاقصى يصرخ ويهتز في كل لحظة ، واي ضياع؟ بالمناسبة وارجو من القارىء الكريم ، ان لا يعتبره لحظة جنون مني ، او فقدان للعقل ، لكني فكرت بحق ، ماذا لو هدمت اسرائيل الاقصى ، مع صفارة النهاية؟ ارجوكم تخيلوا ذلك ، ما الذي سيفعله المئة والعشرون مليونا من الدولتين؟ والذين تحولوا جنودا ، ولكن من اجل كرة؟ هنا يكمن الفرق بيننا وبين الامم الاخرى ، انهم يلعبون ويستمتعون ، ويحتفلون بالفائز لانها رياضة ، ولان الكرة عندهم من هواء ، اما العرب وفي كل دولهم ، فانهم يلعبونها ، والفرق انها بالنسبة للكثيرين ، كرة من حقد وانتقام .
واختم بان سامح الله الاصدقاء الصينيين ، فقد حوّلنا كرتهم الجميلة ، الى باب من ابواب الفتنة والشر بيننا في كل مباراة ، ولو انهم عرفوا ذلك ما صنعوها ، او لذهبوا لمجلس الامن يطلبون منه حجبها عن العرب ، لانهم لا يقدّرون الرياضة؟.
بالمناسبة لن يقف الامر عند عمرو موسى ، بل وصلت الشكوى الى (بان كي مون) وانتم تعرفونه جيدا ، انه الذي اعلن الصيام منذ ايام ، احتجاجا على ارتفاع نسبة الجوع في العالم ، بينما اتخم العرب ليلتها ، وناموا جميعا بعمق .