مجرد مباراة أم صاعق فجّر كراهية سوداء..؟!

في الاشهر الاخيرة تبارت الصحف الجزائرية الرئيسية في اثارة وتثوير الشعب الجزائري وشحنه وتصوير مباراة كرة قدم في اطار كأس العالم بانها معركة تحرير الجزائر الثانية وانها اهم من تحرير القدس ، وانها حرب يتحدد على ضوئها مصير الشعب الجزائري.
وقد حققت الصحف الجزائرية وفي مقدمتها اول جريدتين هما الشروق والفجر رواجا واسعا من خلال التهويل والمبالغة وتلفيق قصص وحكايات تتعلق بالطرف الثاني في حرب «داحس والغبراء» تلك الحرب التي ظلت وصمة عار وتعبيرا عن انحطاط وجنون عندما تقاتلت قبيلتا عبس وذبيان سنوات على خلفية التعصب لسباق بين فرسين كل فرس منهما لاحدى القبيلتين وسميت الحرب باسمهما وهي حرب «داحس والغبراء».
وعندما اشير الى الجزائر والمزاج الجزائري الحاد اصلا وعن دور الاعلام الجزائري والتواطؤ الرسمي في صنع هذه الاثارة وتهيج الانسان العربي ضد شقيقه العربي ، فانني لا اقلل ابدا من الدور الموازي للخطاب الاعلامي والسياسي المصري الذي وظف كل امكانيات مصر لهذه المعركة الوهيمة حيث يبرع بعض المطبلين والمزمرين في تصوير الامر وكأنه كارثة وطنية مصرية ، وقد احتشدت عشرات المقالات في الصحف وحتى لكتاب كبار اسهموا في التعبئة العامة في مباراة كرة قدم يتم تصويرها بانها تختزل كرامة الشعب المصري وقدر مصر وتاريخها وتراثها.
وفي مصر كما في الجزائر فان المشهد الجنوني والذي تحتشد فيه الجماهير في القطرين العربيين يهدف بقصد او بغير قصد الى صرف النظر عن المآسي التي تعصف بالبلدين المتنافسين ، وبالتالي يركب رموز الحكم الموجه بحثا عن شعبية قائمة على الاثارة وردود الفعل ، ففي مصر يقف علاء مبارك وجمال مبارك على رأس هذه الجماهير وكذلك 2400 من الحزب الوطني تم ارسالهم للخرطوم.. الخ.
وفي الجزائر يقف على رأس هذه الجماهير مصطفى بوتفليقة شقيق الرئيس بوتفليقة على امل ان يؤهله ذلك للرئاسة كما في حال التوريث في مصر،،
بصراحة فان كل ما اشرنا له وما لم نذكره لان الله لا يحب الجهر بالسوء تتحمل مسؤوليته القيادة السياسية في البلدين ففي الثمانينات عندما انفجرت في بريطانيا ظاهرة المشجعين الشرسين «الهوليغينز» الذين يدمرون ويتعصبون خرجت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية يومها واعلنت ان هذه الشرذمة عار على بريطانيا وعلى المجتمع الانساني المعاصر ، وان بريطانيا لن تتوانى في اجتثاث هذه الطغمة المهووسة ، وعندما امتدت ظاهرة «الهوليغينز» الى اوروبا اتخذت الدول الاوروبية منفردة ومجتمعة قرارات صارمة لاجتثاث هذه الظاهرة التي لو تركت لتمادت لتتحول الى حالة عامة جماهيرية اجرامية،،
لا يجوز ان نقبل انفلات الغرائز الشريرة والانفعالات ، ولا يجوز ان نسمح ان يسود الوعي السلبي في مسألة اسمها لعبة ، نفهم بل نتمنى ان يكون هنالك احتشاد جماهيري للتصدي لاحتلال فلسطين والاستكبار الاستعماري ولمحاربة الفساد والمفسدين ، وان تكون هنالك نقمة شعبية ضد التردي والتفكك والضعف وما يترتب عليه من تراجع لمجتمعاتنا وما يعصف بها من جوع وتكريس للتخلف في كافة المجالات،،
في اليوم الذي جرت فيه مباراة مصر والجزائر جرت مباراة بين فرنسا وايرلندا في اطار تصفيات كأس العالم ، وفي هذه المباراة فازت فرنسا بهدف واحد صنعه اشهر لاعبيها «تيري هنري» وادخل هنري الهدف بيده بلمسة بارعة لم يلحظها الحكم الرئيس ولا حكما الاطراف ، وبعد انتهاء المباراة اجمع كل المراقبين للمباراة على شكوكهم بالهدف خاصة بعد ان كانت احدى الصور التلفزيونية تسلط على حركة اليد بشكل واضح،،
كل الشعب الايرلندي كان مقتنعا ان الهدف غير صحيح ، لكن المفاجأة ان الفرنسيين عبر اعلامهم اعترفوا بان هذا الهدف غير صحيح واكثر من ذلك اقر «تيري هنري» بانه ادخل الهدف بيده وانه لا يمانع في ان تعاد المباراة ، وكل فرنسا طالبت باعادة المباراة لكن اتحاد كرة القدم اصر على تثبيت النتيجة التي تتقرر في الملعب وفي زمن المباراة وليس خارجها ، اما اخطاء الحكام فهي مألوفة،،
اوردت هذا المثل لاضيف اليه ان ايرلندا عاشت ازمات عنف ، ولكن الرياضة هي الرد الانساني المتسامح الراقي على العنف ، ولا نبالغ اذا قلنا انه لو تركت ظاهرة «الهوليغينز» تتمدد في اوروبا لكنا شهدنا بعد هذه المباراة بين فرنسا وايرلندا حريقا اوروبيا وحربا بين فرنسا وايرلندا لان لموضوع الاحتجاج اساسا مؤكدا وهو ان الهدف الذي اخرج ايرلندا من كأس العالم غير صحيح،، ، لكن الروح الرياضية ، في الملعب وخارجه هي التي سادت وعكسها هو الذي ساد خارج ملعب ام درمان.