صنع في الصين

تداهمنا الصين في كل زاوية وركن في حياتنا اليومية ، تقتحم عوالمنا من دون استئذان ، وتفرض نكهتها ومذاقها وقيمها علينا ، نحن الذين لا حول لنا ولا قوة.
قبل سنوات ، كنت أقف مشدوها أمام هذا الاكتساح الصيني لعالم "الكهربائيات الرديئة" والأدوات المنزلية التي تتوزع على كل ركن وزاوية في بيوتنا ومكاتبنا ، نحن الذين بالكاد نجد قطعة ملابس واحدة تغطي أجساد نسائنا وأطفالنا غير مكتوب عليها: "صنع في الصين".
لكن المفاجأة تتوالى فصولا ، والاستهجان يزداد يوما بعد يوم ، فلم تعد تجد في أسواقنا "فص ثوم" واحدا من انتاج أرضنا وفلاحينا ، أو حتى من إنتاج جيراننا وأشقائنا ، كل فص ثوم في السوق ، زرع في الصين.. الأسواق مكتظة بلحم العجل الصيني ، شديد الإحمرار ، المقطع بأناقة ، كأنه مكعبات بلاستيكية ، والذي لا أعرف له طعما ، لفرط "استكثاري" للمسألة ، واستنكافي الحاد عن شراء ما هو صيني ، وتفضيلي أي دمغة أخرى على الدمغة الشهيرة إياها ، وربما كردة فعل طائشة على هذا الطوفان الذي يكاد يغرقنا.
حتى موروثنا الثقافي والديني تحوّل إلى مادة للتصنيع والعرض والطلب والانتاج الكبير والتسويق الرخيص على يد المارد الصيني الماهر.
نحن الذين أمضينا عقودا في الجدل المحتدم حول "جرائم الشرف" ، لم نفطن إلى ما يمكن أن تضيفه الصين إلى سجالاتنا ، وقصصنا المفزعة عن اليوم التالي لليلة الدخلة ، حيث الموت والعار ينتظران من فقدت عذريتها لسبب من الأسباب ، إلى أن داهمنا المنتج الصيني هذه المرة أيضا ، بحلولة السحرية المنسجمة مع فقر العالم الثالث وتدني موازناته ومستوياته الاستهلاكية.
التسلل الصيني إلى حياتنا بدأ زاحفا ، استولى على صالوناتنا وغرف جلوسنا ، ثم أسقط بضربة معلم ، مطابخنا وأطباقنا ، وها هو ينتهي إلى غرف نومنا وأسرّتنا الزوجية ، ولا أدري ما الذي ستجود به المخيلة الصينية الجامحة لابتلاع العالم وترك بصماتها على حياة ملياراته السبعة ، إنه الطوفان الأصفر ، يأتي مدججا برخيص السلع والخدمات ، بيد أنه طوفان جارف ، أين منه تسونامي المحيطات وعواصف الصحراء ببروقها ورعودها.