الديمقراطية والبدء من الخلية الأصغر!..

المهتمون فعلا بحياة ديمقراطية سليمة، تأخذ بعين الاعتبار التكوين السكاني في الاردن، وموقع البلد في وسط عربي غير مستقر.. يفضلون دخول تجربة اللامركزية من حيث انتخاب مجلس المحافظة، وانتخاب البلديات، وتكوين الجهاز التنفيذي الموازي في مهماته لحكومة المحافظة.. يفضلون دخول التجربة قبل الانتخابات النيابية وقانون الانتخابات الجديد. فميزة الديمقراطية النامية تطورها من اصغر تشكيلات المجتمع في القرية، والجمعية التعاونية، والجمعية الخيرية،.. إلى البلديات والالوية، والمحافظات والدولة!!. فالديمقراطية تربية وليست قوانين. والديمقراطية سلوك وممارسة يومية ولا تستحق يوما واحدا كل أربع سنوات. وطالما ان الحصة المدرسية موزعة بين المدرس الذي يأخذ منها خمسين دقيقة والتلاميذ الاربعين خمس دقائق.. فان النائب الجهبذ لن يغير في المعادلة شيئا!!.
عام 1956، وبقانون انتخابي متخلف، ودوائر انتخابية تختلط فيها جرش بقصبة مادبا المدينة، فاز اول مجلس نواب حزبي.. وألف الحكومة زعيم الاكثرية الحزبية (12 نائبا من 40) حكومة ائتلاف تضم الحزب الوطني الاشتراكي، وحزب البعث والحزب الشيوعي ومستقلين كثرا!!.
وكان المغفور له الملك حسين يعتبر هذه الحكومة حكومته الاولى، ذلك ان انتخابات 1954 جاءت بكارثة، وبقتلى وجرحى كثيرين، فكانت خطوته بعدها تحرير قيادة الجيش من الضباط البريطانيين، ومن نفوذ كلوب السياسي، ثم اجراء انتخابات نيابية حرة، وتشكيل حكومة من موجودات الأردن السياسية.. وليس من موروثات كلوب!!.
- ماذا حدث بعدها؟!.. لماذا استقالت الحكومة او أقيلت؟. لماذا انفرط عقد الديمقراطية؟!.
يختلف كثيرون على الاسباب، لكننا نقول بصراحة إن الاحزاب فشلت في فهم المرحلة، فتجندت لحكم العسكر العرب، ولان الحركة السياسية القومية لم تكن معنية بالحفاظ على الكيان الأردني، بنظامه السياسي وتكوينه البشري، والتصاقه بالقضية الفلسطينية!!.
لم تكن احزابنا محلية.. كانت فروعا لاحزاب عربية وعالمية، وكان الاردن آخر حساباتها.. مع ان النظام السياسي الأردني أعد البلد لحركة التحرر والوحدة، بازاحة النفوذ البريطاني، وتجنبه الاحلاف الغربية لكن ذلك لم يشفع له، وها هي الاحزاب ذاتها تجد في الاردن ونظامه السياسي، بعد عقود، بيئة مفتوحة لنشاطها.. والدولة الآن تمول الاحزاب من خزينتها!!.
الذين واكبوا خروج بلدان عريقة من حكم الديكتاتورية المطلق الى الديمقراطية الكاملة يعرفون ان ذلك تم عن طريق بعث الاحزاب.. وخاصة في المانيا وايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. ونظن ان الاردن، او اية دولة عربية قادرة على التخلص من حكم العسكر، لا بد وان تبدأ بنظام حزبي صارم.. لتبدأ حياة برلمانية صحيحة. فليس العيب فيما يسمونه بقانون الصوت الواحد.. العيب هو في عدم وجود نظام حزبي حقيقي.. وبعدم وجود احزاب اردنية مفتوحة على مداها القومي العربي ومداها الاسلامي، لا فروعا ودكاكين لتنظيمات خارج الأردن!!.
لنبدأ بالحكم المحلي، والبدء بالديمقراطية من القرية.. الى الدولة، من المدرسة والجمعية والبلدية الى مجلس المحافظة وحكومتها المحلية، وبعدها لكل قانون انتخاب ولكل مجلس نواب وقته!!.