احذروا انفلونزا (الدراسات والاستطلاعات)

استوقفتني صبية في الصيف الماضي ، تقف امام احد مولات عمان الكبرى ، وقد حملت بين يديها ، رزمة من الورق ، وبدت مرتبكة وكأنها طالب دخل الامتحان دون تحضير ، ولم اعطها وقتا لتبلع ريقها ، فبادرتها انا بالسؤال ، نعم تفضلي؟.
استاذ أنا متطوعة من مركز كذا للدراسات ، ونحن مهتمون بوضع المرأة في الاردن ، ونرغب بطرح اسئلة على الجمهور ، وكانت تقرأ من ورقة ، مطبوعة ومسحوبة الاف المرات ، على الة تصوير قديمة.
اخرجت قلمها وقالت ، بداية اذا فاجأ الاردني زوجته ، في وضع مريب مع رجل اخر ، ما الذي يفعله ؟ حقيقة ، ضحكت بصوت عال ، وقلت لها ، هذا السؤال لو تطرحينه على ياباني ، او استرالي ، او امريكي ، او حتى على الجمل( ذكر الناقة) لحصلت على نفس الاجابة ، فلماذا الاردني بالذات؟.
المهم في الامر ، انني واحتراما لرغبة اطفالي ، الذين كانوا معي ، اختصرت عليها الحديث ، بأني مشغول واسرتي لا تعاني من العنف ، لا ضد المرأة ولا حتى ضد القطط ، وركبت سيارتي ، وانا افكر ، لماذا يستغلون المرأة ، من أجل المرأة ، بهذه الصورة القبيحة ؟.
استطلاع او دراسة (العلمية) اخرى ، على حد القائمين عليها ، والتي جاءت على خلفية العنف الطلابي ، في جامعاتنا ، وصلت بعبقريتها ، الى ان (التعصب القبلي) يشكل نسبة 91,9% عند الطلاب؟
الله اكبر ، وارجوا ان تلاحظوا معي كلمة (القبلي) ، بمعنى ان اغلبية الطلاب ينحدرون من قبائل ، تتصارع وتصنع العنف ، وتمتهنه بدل الدراسة في الجامعات ، وكانهم يريدون باستطلاعهم ان يقولوا لنا :إن القبيلة وباءّ خطيرّ ، ويجب محاربته ومقاومته بكل الوسائل ، اليس كذلك؟.
ان عدم الفهم لمعنى القبيلة او العشيرة ، جعلت البعض من قصار النظر ، يحيكون خيوطهم العنكبوتية ليل نهار ، لكي يخرجوها من الكوكب ، حتى انك وانت تسير في الشارع ، تقول: ما الذي اقترفه آدم عليه السلام من ذنب: ان يكون له كل هؤلاء الابناء؟ وحاشا لله ان يكون الامر كذلك.
يقول الله في كتابه العزيز: ( إنا خلقناكم شعوبا وقبائلَ لتعارفوا ان اكرمَكم عند الله اتقاكم) فاعجب لبعض الذين امتلأت قلوبهم على القبيلة ، حتى انهم يتمنـّون لو افاقوا ذات صباح ، فلا يجدون فردا ينتمي الى قبيلة ، فما ذنب الناس الذين جاءوا من بطون العرب ، ولهم جذور وانساب ؟ هل يريح البعض ان يخلعوهم من جذورهم ، ويلقوا بهم في عين الشمس؟
ان ما يجري على الساحة الاردنية ، من قبل البعض ، لهو عيب كبير ، ولا يمكن احتماله اكثر من ذلك ، فمن المهم جدا ان يبقى الاحترام بين الناس ، وان لا يسمحوا للاقزام في عقولهم ، ان يسيّروا الامور كما يريدون.
ليس بصحيح ابدا ، ان العصبية للقبلية هي السبب الرئيس في عنف جامعاتنا ، واسألوا الطلبة ، بل انها المراهقة وغزل البنات ، وشباب يبحث عن صداقات ، يدافع عنها ، فيشتعل الطرف الاخر ، وهكذا دواليك ، وهذا ليس مقتصر على ابناء القبائل بل ان اهل المدن لهم باع طويل بها كجزءمن البرستيج ، ولا هي في جامعاتنا الاردنية فقط ، فالمحيط العربي يزخر بها ، وحدّث ولا حرج وللاسف الشديد.
ثم انتقل للسبب الثاني ، الذي خرجت به تلك الدراسة العبقرية ، وكأنها اكتشفت كوكبا اخر لم يكن في المجرة ، لتقول لنا ، ان عدم الخوف من العقاب ، يحتل %85 من اسباب العنف ، وبما ان السبب الاول ، قد تم الصاق التهمة فيه لابناء القبائل ، فان السبب الثاني ، ينطبق عليهم بالتاكيد .
هنا يبرز الخبث ، الذي لا يراد له ان يبقى مختبئا ، وراء تلك الستارة السوداء ، فالمقصود هنا ان النسبة العظمى لا تخشى العقوبة والردع ، وانها فوق القانون ، بهذه البساطة ، ليتم الفرز بالنسبة (للدراسة) ، ان ابناء العشائر فوق القانون ، ولا يخافون احدا ، وهذا تجنّ اخر ، وظلم واضح لا يحتاج الى برهان.
في عام1973 قيل لكيسنجر ، ما الذي تريد ان تصل اليه الصهيونية العالمية ، في نهاية المطاف مع المسلمين والعرب؟ ، فاجاب: حتى تخرجهم من جلدهم كاملا فيتنكروا للاسلام والعروية .
الا يصب ما نراه اليوم من اتهامات ، تلقى جزافا على العرب والعروبة ، في خانة اعداء الامة؟ وعلى ايدي بعض ابنائها ، حتى غدونا جميعا ، في اخر العربة ، ولن يتوقف القطار ، حتى يُلقي بنا جميعا في صحراء الحياة ، بعد ان فعـّلنا القطرية وغرقنا في الاصول والمنابت ، واستشرى المرض بشكل مخيف.
دراسة اخرى تقول :إن نسبة المواطنين ، القادمين من المحافظات والالوية يوميا الى عمان ، للعمل ، لا يتجاوز 1% ؟ ، عجبي وهل وقف الذين اعدّوا الدراسة ، على مداخل عمان الاربعة ، طوال ايام الاسبوع ، ليعدّوهم بهذه الدقة؟ ام انه تنوير خفيّ وخطير ولا يصب في مصلحة الوطن ، له علاقة بالانتخابات القادمة ، والقانون الجديد؟.
وكأنهم يريدون ان يقولوا ، ان الاردن هي عمان ، ومن يدري ، ربما ذهبوا بعد اشهر بدراسة جديدة تقول ، دعونا نقسّم عمان ، ونفصـّلها حسب المنابت والاصول ، فنجعل حي للشاميين ، واخر للشركس ، وهذا لاهل نابلس ، والاخر لاهل غزة ، وهذا للحجازيين ، اما ابناء القبائل ، فلا مقام لهم بيننا ، هكذا بكل بساطة ، وهي طعنة في الصميم للوحدة الوطنية في هذا البلد الطيب وفتنة عظيمة.
لقد بدأت منذ فترة ، اشتمّ رائحة لم يتعوّد انفي عليها ، وأرى ممارسات ، لم تألفها عيوني ، واسمع دراسات ، لا يمكن ان تكون وطنية ، او لها أي انتماء للاردن ، لكني اجد نفسي ملزما ، ان اقول: إنه سقوط في الوحل ، وضياع وتضييّع لهذا الجيل ، بان ينشغل عن قضيته الاساس هناك على ارض فلسطين.
ان ما يقدّمه ممرض او طبيب اردني في مستشفى غزة5 ، وقد قضى العيد بعيدا عن اهله واطفاله ، لهو اعظم واكبر واثمن ، من هذا العبث ، الذي يطلق عليه البعض جزافا ، تسمية دراسات واستطلاعات ، الهاءً لطلابنا وابنائنا عن دراستهم.
لم اسمع عن اية دولة عربية ، او حتى شرق اوسطية ، فيها هذا الكم الهائل من المراكز ، التي تدار بأيدْ تغرف من بحر المنح ، التي تدفع بالدولار ، وبسخاء شديد ، وبعض مدرائها يتسامرون مع سفراء بعض الدول ، وهم يعرفون من اعني وبالاسماء ، والاماكن وارقام الطاولات.
المصيبة انه ليس من بين جامعاتنا ، جامعة تقدمت ببحث علمي مفيد للامة ، رغم هذه الاعراس التي تقام في صيف كل عام ، لدرجة ان احد الدبلوماسيين في عمان ، يقول :إنه يكره الصيف عندنا ، لانه مليء بالصخب والمواكب والالعاب النارية ، حتى انه يقول وهو يضحك: احس اننا بحاجة لقوات حفظ الطمأنينة.
بالمناسبة فان التقرير الاخير للامم المتحدة يقول: إن سريلانكا التي نستقدم منها الخادمات ، متقدمة على الجامعات العربية كلها ، بالابحاث العلمية ، وليس من بين خمسمئة جامعة في دولنا الاثنتين والعشرين ، قد حصلت على بحث علمي عالمي ، وقد اكد هذا الامر السيد عمرو موسى الامين العام للجامعة العربية قبل فترة وجيزة وهو يجيب عن تقدم العالم وتأخر العرب.
مرض عضال وانفلونزا حادّة ، بدأت تغزو الشارع الاردني ، تخرج بدراسات ، اقلّ ما يقال عنها ، انها لا تريد خيرا لاحد ، الا لمروّجيها والقابضين ثمنها فقط ، وهناك دراسات اخرى ، عن العنف ضد المرأة ، والطفل ، وكأن الاردني ، يمسك عصاه او حزامه ، يوميا ، يركض خلف زوجته واطفاله.
الامور بحاجة الى ضبط وضبط سريع ، قبل ان يستفحل الامر ، ويخرج القطار عن السكة ، فهذا البلد بشعبه الواحد واسرته الكبيرة ، ونظامه المعتدل الوسطي الواعي ، الذي يحمل شرعية النبوة ، لا يحتمل هذا الصخب والضجيج ، الذي يأتي من بطون بعض الافاعي السامة ، التي تريد تدمير كل شيء جميل.
واني احمد الله ، ان في هذا الوطن الكثيرين ، الذين اخذوا تطعيما فعالا لمثل هذه الانواع من الانفلونزا ، لكن ما قلته هنا ، بحاجة ان يقال وبصوت مسموع ، لانه في ضمير الكثيرين من اهلي ابناء القبائل ، الذين اعتمرُ شماغَهم ، ويشرفني لبس عقالهم كما لبسه الحسين وابناء الحسين.
ويفرحني والله ، وانا ارى ( القلبك) على رأس اخي الشركسي ، وقد وضع (قامه) بحزامه ، وبنفس الروح افرح وانا ارى الكوفية الفلسطينية البيضاء ، التي لبسها المرحوم ابو عمار فلماذا يكره البعض لبس العباءة؟.
انها الفتنة من جديد ، وبثوب اسود ، لاننا رغم وأدنا لها منذ عقود ، وبعد ان اصبحت الناس اخوالا واعماما ، واختلطت العائلات بنسيج جميل ، فالكل مواطنون والقانون هو المظلة ، والنظام هو الراعي والحامي ، الا ان الخفافيش تأبى الا ان تخرّب.
ايها القوم ، عقود مرّت من التآخي ، والمحبة والمواطنة وبناء الدولة ، بفسيفسائية جميلة ، فالاردن للجميع والجميع من اجل الاردن ، لذا دعونا نعمل معا ، لنحافظ عليها ، ، من اجل ابنائنا واحفادنا ، فعلى هذه الارض عشنا ، ودفن فيها اجدادنا واجدادكم ، فلنبق على المحبة و التآخي ولنعلً البنيان .