بعض ما عايشت وعرفت عن زيد الرفاعي وطاهر المصري!!

تم نشره السبت 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2009 01:18 صباحاً
بعض ما عايشت وعرفت عن زيد الرفاعي وطاهر المصري!!
راكان المجالي

تعرفت على الرئيس طاهر المصري يوم أصبح وزيراً لأول مرة في حكومة الرئيس زيد الرفاعي الاولى في ربيع العام 1973 ، يومها زارنا المصري في «الرأي» وكان على معرفة وثيقة بالمرحوم سليمان عرار ، وتجاذبنا معه أطراف الحديث وترك حديثه عندي انطباعاً ايجابياً برزانته وموضوعيته وثقافته ، وربما كان محقاً في ملاحظته يومها بأن مطالبة الصحفي لرجل الحكم أن يكون مثالياً لا يتفق مع الواقع ، ومع ذلك استمرينا في نقد الحكومة التي كان طاهر المصري "أبو نشأت» أصغر الوزراء عمراً بها ، وكان نقداً بلا هوادة للحكومة وجارحاً أحياناً ومتطرفاً دائماً مع ان الجريدة "الرأي» كانت ملك الحكومة آنذاك.

ومع الأيام تعرفت على طاهر المصري أكثر ، وعدا عن الانطباع العام بأنه رجل مهذب وخلوق ومتواضع وبموازاة ذلك كان سياسياً براجماتياً ، ولكن مع حرص على احترام نفسه ، عدا عن ذلك كله كان صديقي المرحوم المناضل شاهر أبوشاحوت "أبوجبار" قد حببني بشكل غير مباشر بطاهر وعائلته ، فقد كان "أبوجبار" صديقاً حميماً لنشأت المصري منذ أواخر الأربعينات وهو ونشأت المصري والد طاهر ، وحدثني "أبوجبار" عن "أبوطاهر" الكثير وهو يصلح مادة كتاب لرجل وطني قومي ثوري حقيقي ، يجسد معنى الأصالة والمجد المؤثل لعائلة المصري ودورها التاريخي... وذلك وقد ولّد كلام "ابوجبار" عن نشأت المصري لدي حباً خفياً لطاهر ، وكذلك أقول له أحياناً أنني أرى صورة والدك لتصحح ما التبس من صورتك أو تضيف اليها الكثير.

في المحصلة فان طاهر المصري هو شخصية تُجمع غالبية أبناء الشعب الاردني على تقديرها.

أما الرئيس زيد الرفاعي ، فلم يكن مفاجئاً ان يصبح رئيساً للوزراء في العام 1973 ، وكان على رأس حكومة شابة توجهت لها سهام النقاد من كل جانب وكان رغم عنفوانه حينها وقربه من جلالة الملك يتقبل كل ما يكتب سلباً عن حكومته ويقول: انني أترك الحكم للناس ، كان يريد في وزارته الاولى ان يمثل شكلاً من أشكال التغيير ، وان يُظهر الاردن كبلد ليبرالي ديمقراطي يحترم حقوق الانسان وحرية التعبير ، ولا أستند في ذلك للتحليل فقط وانما لوقائع كنت طرفاً فيها ، حيث كنت أكتب زاوية نارية يومية



في "الرأي» آنذاك تحت عنوان "صباح الخير" واعترف انها كانت تتضمن نقداً جارحاً وقاسياً ومتطرفاً تجاه اية اخطاء أو تجاوزات لأي وزير أو مسؤول ، وذات يوم "ذبحت" وزير كتابة لأني أدنته بشكل صارخ أو كما يقال "مسكته في خانة اليك" وذهب الوزير الى الرفاعي شاكياً الذي لم يناقش معه الموضوع واكتفى بأن يرد على غضبه وتهديده بالاستقالة ان قال له: "اذا كانت شخصيتك هشة الى هذا الحد روح استقيل".

أكثر من ذلك لم يكن "أبوسمير" يأبه بانتقاد حكومته وقراراتها حتى لو كان النقد الذي اكتبه غير محق. وأذكر مرة أن رئيس الوزراء زيد الرفاعي أصدر قراراً يشدد فيه على وضع عبارة: "بسم الله الرحمن الرحيم" على رأس كتاب رسمي ، وكان هذا القرار موضوع مقال لي قلت فيه يومها انه ليس المهم ان توضع "بسم الله الرحمن الرحيم" ترويسة لكل كتاب رسمي ، ولكن المهم ان لا تكون كل الكتب والقرارات الحكومية هي من تلافيف الشيطان الرجيم ، وقلت ما هو اسوأ بحق الحكومة لمجرد هذا القرار وهو كلام مما لا يمكن نشره هذه الايام،،

ولا أريد أن أسهب في استعادة كثير من المقالات الملتهبة في تلك الفترة والتي لم أتعرض ولا مرة الى المساءلة أو الى المنع من الكتابة أو الطرد كما هو الحال الذي بات مألوفاً فيما بعد،،

وللطرافة أقول أنني طردت مرة واحدة في تلك الفترة من عملي في "الرأي" وقد فوجئت ذات يوم بأمر من رئيس الوزراء زيد الرفاعي بفصلي من الجريدة ، ولم أعرف السبب ، وعندما تقصينا وسألنا أفادنا الصديق مروان دودين الذي كان وزير دولة بأن أحد الوشاة نقل للرئيس كلاماً قلته محرفاً في جلسة خاصة حول المبالغات الاعلامية والتمجيد في أمور شكلية مع أن هنالك أمورا موضوعية ومناقب ومزايا ووقائع علمية مميزة ومجيدة يجري طمسها ، وكل ما قلته حقيقة هو ان الاعلام سلاح ذو حدين واذا استخدم استخداماً سيئاً صار ضاراً ولا يكون مقنعاً أو مؤثراً.

توقفت على اثر ذلك عن العمل أيام وكان اخوان كثر في مقدمتهم مروان دودين أقنعوا الرئيس الرفاعي ان يستقبلني وأن يسمع مني ، فاشترط أن يواجهني بالشخص الذي لم أكن أعرف حينها من هو ، وهكذا كان.. فقد ذهبت لمقابلة الرئيس الرفاعي وفي عداد المنتظرين لمقابلته كان هنالك شخص ساورتني الشكوك ان يكون هو الواشي ، خاصة انني لاحظت ان وجهه ممتقع وانه مضطرب ، وخرجت من مكتب سكرتير الرئيس الى مكتب مجاور بانتظار موعد المقابلة ، وبعد نصف ساعة استدعيت للقاء الرئيس ولم يكن هنالك أحد غيرنا فسألته عن الشخص الذي يفترض ان أواجهه فقال لي انس الأمر ، وشرح لي مبررات الحالة الاعلامية التي قال ان لدي حق ولدى كل الناس حق أن لا يرتاحوا ، لكن كانت هنالك معطيات وأسباب ومبررات فرضت تلك الزفة لأيام طويلة ، وكان كلامه مقنعاً جداً ، فقلت له انني آسف.. فقال لي لا أنت ولا الناس ملومين على ما لا يعلمون خاصة عندما يكون الكلام هو كما قلت انني بدافع الحب والحرص والغيرة..

لا تتسع مساحة هذه الزاوية "استراحة السبت" للاسترسال في تسجيل انطباعاتي وذكرياتي والوقائع التي عشتها في فترة وزارة الرئيس زيد الرفاعي الاولى وسأروي في "استراحة السبت" من الاسبوع القادم كيف خرجت في عهده جريدة "الرأي" اليومية وكيف منحني بعدها فرصة اصدار جريدة "الاخبار" اليومية التي كنت رئيساً لتحريرهاً ، وكيف عدت للرأي رئيساً للتحرير في عهد وزارته الثانية بعد 14 عاما.

وأذكر القارىء العربي أنني عندما استحدثت زاوية "استراحة السبت" ذكرت انها ستكون "سواليف" للترويح ، ولذلك استميحكم عذراً لأنني لم أكتب عن تجربة الرئيس الرفاعي السياسية ، واكتفي بالاشارة لذلك بشكل عابر ، وقد تكون الظروف أو التطورات خدمته ، فعندما شكل حكومته في العام 1973 كان الاردن يعاني من عزلة عربية وصلت الى حد القطيعة مع مصر والعراق والى اغلاق الحدود كلياً أو جزئيا مع سوريا ، والى توتر في علاقاتنا مع الخليج على خلفية الصدام مع الفصائل الفلسطينية في أيلول من العام 1970 حيث كما هو معروف ظلت القضية الفلسطينية تجارة العرب الرائجة،،

وفي عهد حكومة زيد الرفاعي الاولى وابتداء من العام 1973 تحسنت علاقاتنا مع كل العرب وتطورت الى حد الاقتراب من الوحدة مع سوريا والتنسيق الكامل مع مصر والعلاقات المميزة مع السعودية وبلدان الخليج...الخ.

وفي عهد وزارته الثانية كان زيد الرفاعي مهندسا بمجلس التعاون العربي بين الاردن ومصر والعراق واليمن ، والذي اقتربت سوريا من دخوله وانجز الاردن مصالحة العراق مع سوريا ، وذروة جهده على الصعيد العربي كان انعقاد القمة العربية في العام 1987 في عمان ، يومها قال المغفور له الملك فهد ملك السعودية في لقاء صحفي انه لا يوجد أحد يمكن ان يجمع العرب تحت عباءته غير الملك حسين ، وعند انعقاد القمة في عمان كتب الاستاذ غسان تويني في جريدة "النهار» مقالته المشهورة: "الحسين الثاني ملك العرب"..

لقد استلهم زيد الرفاعي روح وفكر قائده المغفور له الملك حسين ، فكان تمتين العلاقات العربية وتفعيل التضامن العربي وتعزيز النظام العربي هي رصيد يعتز به الاردن ويترجم رسالته ودوره وقوة وجوده كنواة للدولة القومية التي بشرت بها الثورة العربية الكبرى..



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات