خطباء وانتخابات في عام ثقيل الظل

سيكون العام المقبل ,2010 من اثقل الاعوام ظلا على الاردنيين. واقصد »حزب الاغلبية« كما وصفه الملك الراحل الحسين رحمه الله, اولئك الذين »لا ناقة لهم ولا جمل« في سباق الحصول على الكراسي والمناصب, خاصة في مجلس النواب المقبل.
منذ ان حُلّ مجلس النواب الخامس عشر, عشية عيد الاضحى المبارك, تحركت ماكينة »المرشحين« للانتخابات. او الذين يريدون جسّ النبض لكي يقرروا خوضها أم لا. ولو ان هؤلاء المرشحين واحزابهم واعوانهم في العشائر والاحياء والحارات يذهبون الى مقرات خاصة, او ينظمون اجتماعات عامة, كي يعرضوا انفسهم واشكالهم وقدراتهم وبرامجهم, لكان امام اعضاء حزب الاغلبية من الناس, حرية الاختيار في ان يشاركوا في هذه الاجتماعات. والحرية في ان يخصصوا بعض وقتهم لسماع هذا المرشح او ذاك.
ما يحدث هو مثل القضاء والقدر, الذي ينزل على الناس بغير مناسبة. فاذا ذهبت الى »بيوت العزاء« رأيت وفودهم وطلائعهم تنتقل من بيت الى آخر »لعرض الوجاهة« واسماع الحاضرين »عن نيتهم بخوض المعركة الانتخابية«. والطامة الكبرى, هو هذا السيل المتدفق من الخطباء المفوهين, الذين لا يتركون بيت عزاء, من دون الوقوف فيه والقاء خطبة طويلة مطولة تساوي في الوقت (10) خطب في صلاة يوم الجمعة. وبأصوات منفرة تطرد مشاعر الحزن والتعاطف في مشاركة الاسرة المفجوعة بأحزانها وآلامها.
وفيما الخطابة في صلاة الجمعة بغرض العبادة ولوجه الله تعالى فان خطباء بيوت العزاء يستغلون احزان الناس للدفع باتجاه إقحام الدين في عملية حشد المؤيدين بعبارات لم تعد تنطلي, في اغراضها, على احد, فالبكاء على الاقصى في بيوت العزاء, لم ينقذه ولن ينقذه من عمليات التهويد والاستيطان. انما ينقده شيء آخر له علاقة ببناء الدول بناء ديمقراطيا, وتوظيف الامكانات والطاقات من دون فساد, وهذا او ذاك لن يحصل, اذا لم يشارك الناس في ادارة شؤونهم الخاصة, ابتداء من التفكير والعمل كجماعة في اسعار المواد الاستهلاكية, واجرة الشقق, وانتهاء بالضرائب وكيفية قيام مجلس النواب القادم بدوره في التشريع والمحاسبة والمراقبة.
زرت بيت عزاء نهاية الاسبوع, فقام احد الخطباء المذكورين اعلاه بتقريع الحضور, وذكرهم بالموت الزؤام, ثم جلدهم على تقاعسهم في تحرير القدس, وبعد ذلك ادخلهم دهاليز معتمة من اليأس والخوف من العذاب وشرور الدنيا. لكنه لم يذكر شيئا ابدا عن حاضر الناس الجالسين. وعن كيفية حل مشاكل البطالة والفقر الذي ترتسم معالمه على وجوه غالبيتهم, ولم يشر بكثير او قليل الى اهمية المواطنة وحقهم في المطالبة بقانون انتخاب يستطيعون من خلاله تكوين مجلس نواب »بحق وحقيق«, كما انه لم يحث احدا على المشاركة في الانتخابات بنزاهة وصدق. واختيار من يدافع عن مصالحهم ويساعد على توفير فرص عمل لهم وتعليم اطفالهم والحفاظ على مكتسبات الوطن وقُوّتِه.
كل ما قاله الرجل تشجيع الناس على تفضيل الموت على الحياة. وبما يقود الى الاسهام في تضليلهم بان كل ما في الدنيا لا يستحق ثانية من التفكير. ثم بعد ذلك, وبمثل هؤلاء المُضلِّلين, والمُضَلَّلين نتساءل! لماذا يزدهر الفساد, وتتراجع قيم الديمقراطية. ويُقْبِل الناس على بيع اصواتهم بدراهم معدودات وهي امانة (في مقاييس الدين والوطنية) في انتخابات مجلس النواب؟!!.0