لوموا انفسكم قبل ان تلوموا الآخرين

تواصل اسرائيل بناء المستوطنات وتواصل السلطة الفلسطينية رفض المفاوضات اذا لم يتوقف الاستيطان. هذا في الضفة الغربية المحتلة, اما في قطاع غزة فاسرائيل تواصل إحكام الحصار بينما تواصل حكومة حماس إحكام سلطتها فيه.
في المشهد العام, تظل اسرائيل هي الرابح »1« لانها دخلت مواجهة مع الولايات المتحدة فنجحت في فرض موقفها برفض وقف النشاط الاستيطاني كشرط لبدء المفاوضات مع السلطة. هذا على الصعيد السياسي »2« على ارض الواقع اطلقت العنان لمشاريعها في الاستيطان والتهويد من دون خشية لا من مجلس الأمن ولا من البيت الابيض ولا اللجنة الرباعية. »3« اصبحت في وضع افضل, امام نفسها, وامام العالم مع استمرار تنامي حالة الانقسام الفلسطينية اذ يبدو ان المصالحة بين الطرفين اصبحت مستحيلة استنادا الى مواقف كل منهما ضد الآخر.
واسرائيل هي الرابح, على الصعيد العربي, لان دخول مصر كطرف في تشديد الحصار وبناء جدار جديد, يقدم على الاقل, من الناحية السياسية والاعلامية دعما لسياسات الحصار الاسرائيلية المستمرة على القطاع خاصة ان كل ما تقدمه الدبلوماسية المصرية من ردود على منع دخول قافلة »شريان الحياة« الى غزة عبر معبر نويبع على البحر الاحمر يصبح كالقول »هذه اذني وهذه اذني« لان نويبع ميناء مصري والعريش كذلك!
لو دققنا في معادلة الارباح (السياسية والاعلامية) لاسرائيل ضد الشعب الفلسطيني, في الضفة والقطاع, وكذلك في مسألة العلاقة المصرية مع حكومة قطاع غزة. لوجدنا ان هذه الارباح ليست حصادا لسياسات اسرائيلية صرف, انما هي حصاد للخلافات الفلسطينية-الفلسطينية, والخلافات المصرية مع حماس, وضعف الموقف العربي عموما على خط مسار العلاقات مع الولايات المتحدة واللجنة الرباعية ومجلس الامن.
ومثلما كانت هزائم العرب العسكرية ثمرة خلافات وانقسامات وغياب الارادة كذلك هي خسائرهم الراهنة في العجز عن مواجهة اسرائيل والضغط على امريكا واوروبا والمجتمع الدولي, لخلق مواقف تضع حدا لاحتلالات اسرائيل وجرائمها.
في مسألة فشل السلطة في فرض شرط وقف الاستيطان قبل المفاوضات فذلك ثمرة للانقسام الفلسطيني اولا, والتخلي عن خيار المقاومة ثانيا مما اضعف الاوراق الفلسطينية في الصراع ودفعها الى خيار (انقاذ ما يجب انقاذه) في الضفة المحتلة, وخيار (رفع الحصار) في ما يتعلق بالقطاع.
ان تعميق الازمة بين مصر وبين حركة حماس في القطاع, والسماح بتداعياتها الى الوصول الى هذه الدرجة من السوء »بناء السور الفولاذي, ومنع دخول قوافل المساعدة« يؤكد ان افق السياسة الفلسطينية, في العلاقة مع مصر والساحة الدولية هو افق مسدود.
باختصار, من يدفع ثمن هذه الخسارات الكبيرة والاستراتيجية هو القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة, ورغم كل ما يتم حشده من قبل حكومتي رام الله وغزة من مبررات لاستمرار الانقسام, فانها في ميزان حركة النضال الوطني من اجل الانتصار على الاحتلال هي مبررات هزيلة لا تساوي شيئا.
قبل ان تلوموا مصر لوموا انفسكم, وقبل ان تلوموا اوباما لانه فشل في وقف الاستيطان قدموا للادارة الامريكية ولمصر وللعالم البراهين بانكم جادون في نضالكم ووطنيتكم. فالقاهرة قادرة على مواصلة سياساتها الراهنة ضد قطاع غزة, لكنها لم تكن لتستطيع لو تعلق الامر بمواجهة مع منظمة التحرير ومع ممثلي الشعب الفلسطيني كله. واوباما ما كان ليرضى بالهزيمة لو انه وجد في النضال الفلسطيني قضية شعب وقضية حرب وسلام مركزية في الشرق الاوسط لا مسألة (مصالحة) و (بوابة رفح) وتوقيتا جزئيا او كليا للاستيطان.0