طابور التنابل!

التنابل كثرة ، وبعضنا يسعى بكل قوته ، لان يصبح تنبلا من التنابل ، فيلبس الطربوش ، وينضم الى قافلة التنابل التي لا تُفيد ولا تزيد ، ويكون دورها هز الرأس وتناول وجبات الطعام المجانية ، وعدم القيام بأي دور في اي موقع عام او خاص.
مُصطلح "التنابل" مصطلح تركي ، ومدلولها أيضاً تركي ، وان بات عربيا ، وقد اشتهروا في زمن السلطان عبدالحميد حيث قيل في شأنهم أنهم جماعة من البلداء الذين يرتادون مجالس السلطان التركي ، همهم الوحيد أنهم ينتظرون الوجبة بعد الوجبة ويلتهمون مما لذ وطاب من ولائم السلطان ، ومع أنهم يحضرون مجالس السلطان السياسية ، آنذاك ، ومجالس العلماء والفلاسفة والشعراء ، لكن كل ما يهمهم من هذه المجالس الطعام والشراب ويرددون كلاما يترافق مع هز الرأس "تشكرات أمان يا ربي أمان" وهي علامة الرضا والامتنان.
لم يختف التنابل برحيل الاتراك عن السلطة في العالم العربي ، فما زال لدينا تنابل في كل مكان. المدرسة الجديدة تقول لك عليك ان تهز رأسك وتبقى تقول "تشكرات امان ربي امان" وتفهم دورك على هذا الاساس. لدينا هنا عدد لا بأس به من التنابل ممن لا يقولون كلمة الحق في اي شأن عام ، لان عين التنبل على وجبة الغداء او العشاء ، وحين تسمع عمن يناضلون ويدعون ويُسطرون المواقف ، لكنهم اخر النهار تتكشف رغباتهم الاساسية ، بالتحول الى تنابل عبر وظيفة في القطاع الخاص او القطاع العام ، تتأكد ان التنابل زادوا واحدا ، فالتنبلة فن اصيل ، له اولاده ، وله رواده ، وله انصاره ، كما ان البحث عن تنبل مهمة ليست صعبة ، اذ تجدهم في كل مكان ، وفي كل ميدان.
ليس اخطر على حياة الامم من التنابل ، فهؤلاء يُسيطرون على المشهد عادة في العالم العربي ، يسرقون كل الكراسي والمواقع ، ويُزينون لصاحب الامر ، امره ، ويهزون رؤوسهم عند كل خطوة او قرار ، لانهم يريدون حصتهم من العشاء ، ولانهم يرون بأعينهم ماذا جرى لمن قال "لا" وقد يشاهد التنابل كيف يتم تقطيع اوصال من يقول "لا" او محاربته او شطبه او تقطيع اوصاله بوشاية او استنتاج او بحرف يُقال او يُكتب. المحصلة ان "التنبل" يسيطر على الاجواء ، لان ثمنه بسيط ، بضعة مكاسب ، ولقب "تنبل" يصبح وساما على صدر صاحبه ، خصوصا ، حين نعرف ويعرف هوانه لا يفعل شيئا ، ولا يقدم شيئا ، مهما اقنعنا التنبل بهز طربوشه يمنة ويسارا ، وان لا شيء يمر دون رأيه ، والامم التي تُسلم شؤونها الى التنابل ، امم هزيلة ، تتنزل عليها البلاءات والخراب ، باشكال مختلفة ، لان جملة "تشكرات افندم" لا ترد خرابا ، ولا تُنعش امة.
طابور التنابل طويل جدا. هناك من يقف وينتظر دوره لاعتماده رسميا كتنبل ، وهناك من مل من الانتظار ، وهناك من حصل على لقب تنبل فارتاح لهذه النتيجة ، وهناك من جرب "التنبلة" وفر منها بعيدا ، لانها لا تليق بمن لديه حرفة يُتقنها حقا ، ولوكانت حرفة الخياطة ، ومنظر التنابل المرشحين والتنابل المعتمدين ، منظر محزن ومؤسف ، ويدل على ان الدنيا تضيق بالبعض ، فلا يجد في حياته طموحا سوى ان يتحول الى تنبل ، فيجلس لهز الرأس ، وتكرار القول "تشكرات افندم امان ربي امان".
من ولد ليطير ويُحلق ، لا يمكن ان يزحف ، ومن ولد ليكون حرا ، لا يمكن ان يكون تنبلا ، تحت اي عنوان. أليس كذلك؟.
mtair@addustour.com.jo