الاصلاح المفقود في قانون ضريبة الدخل الجديد

تم نشره الأربعاء 06 كانون الثّاني / يناير 2010 03:17 صباحاً
الاصلاح المفقود في قانون ضريبة الدخل الجديد
د.محمد سعيد النابلسي

اطلعت على مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد وبشكل اولّي, من خلال ما نشر في الصحف المحلية عن نص القانون المؤقت لضريبة الدخل.

ولاحظت من النظرة الاولية السريعة وليس من خلال الدراسة المتعمقة, ان المشروع قد اتخذ عدة خطوات اصلاحية بالنسبة للقانون السابق. فهو, من جهة, أنصف ولو جزئياً شريحة واسعة من ذوي الدخل المتوسط او اقل من المتوسط بأن خفّض نسبة ضريبة الدخل بالنسبة للافراد الطبيعيين ولأسرهم. أقول ولو جزئياً لأن التخفيض يكاد ان يكون غير مقبول بالنسبة لهذه الشريحة في ضوء معدلات ارتفاع الاسعار والتضخم التي طرأت على تكاليف معيشة الاسر المتوسطة الدخل خلال سنوات متواصلة منذ بداية تطبيق التشريع السابق الملغي لضريبة الدخل.

ومن جهة اخرى فإن التشريع الجديد افاد قطاع الصناعة المحلية بتخفيض في نسبة الضريبة ولو جزئيا ايضاً, كما افاد القطاع الاقتصادي والمجتمع برمته بإلغاء او توحيد ضرائب فرضت بموجب تشريعات اخرى. واخيراً لا بد من الاشارة الى التحسن الواضح في الجهد المبذول لتقديم تشريع واضح الاحكام والنصوص. وبالمقابل فقد رفع القانون نسبة الضريبة على بعض شركات الخدمات التي تمارس اعمالاً تجارية او سياحية او مالية والتي هي اقرب أن تكون شركات فردية او تضامنية بحكم طبيعتها القانونية, وبذلك ألحق ضرراً بفئة فاعلة من المجتمع الاردني.

غير أن الملاحظة المهمة التي استرعت نظري هي ان القانون الجديد طبق مبدأ تصاعدية الضريبة بخجل واضح وعوّض عن ذلك بتشديد احكام ضريبة المبيعات التي تتناول الاغنياء والفقراء بميزان واحد ولا تميز بين غني وفقير حتى في اقتناء الغذاء والدواء. اذ انه, من جهة, اختص البنوك فقط بنسبة مقبولة من ارباحها, ولم يتطرق الى الشركات الاخرى التي تحقق ارباحاً فاحشه تفوق بكثير ارباح البنوك, كمعظم الشركات التي تمت خصخصتها وبعض الشركات الاخرى, من جهة اخرى. وهذا توجه خطير ليس لأنه لا يراعي الاعتبارات الاجتماعية والتصاعدية المعقولة, بل لأنه يضيّع على الدولة ايرادات كثيرة كان من الممكن ان تساعد على تعويض جزئي لما خسرته في تخصيص بعض شركاتها. علماً بأن المعالجة الاصلاحية الصحيحة لهذه الثغرة والخلل في القانون الجديد كانا يقتضيان احد الحلين الآتيين :-

أولاً: اما تطبيق مبدأ التصاعدية في ضريبة الدخل بمعناه الواسع, فلا نسمح بتشوهات او اختلالات غريبة لا معنى لها, بأن تكون ارباحا فاحشة لشركات كبرى تدفع ضريبة نسبتها اقل من نسبة ضريبة بنك صغير. فهناك شركات اردنية للخدمات او للصناعة الاستخراجية تربح مئات الملايين سنوياً وتدفع ضريبة بنسبة 24% او 15% على التتابع, مقابل بنك صغير قد لا يتجاوز ربحه عدة ملايين يدفع عنها ضريبة بنسبة 30%. في حين ان تطبيق مبدأ التصاعدية على الربح يمكن ان يوزع الربح على عدة شرائح, بالارقام المطلقة, كأن نقول ان الملايين العشرة الاولى تدفع ضريبة بنسبة 20%, والثانية بنسبة 25% والثالثة بنسبة 30% والى ان تصل الى حد أقصى بنسبة 40 أو 45 %. وهذا الاسلوب التصاعدي يمكن ان يطبق على دخل الافراد ولو بشكل آخر, وبالتالي فإننا نطبق مبدأ التصاعدية على حقيقة اهدافه.

ثانياًً: أو الابقاء على هيكلية الضريبة الواردة في القانون مع فرض ضريبة تصاعدية خاصة عليا Super Profit Tax, بحيث تتناول دخل جميع الشركات والافراد, وبحيث تفرض الضريبة الواردة في القانون على الدخل الذي لا يتجاوز مستوى مطلقا معينا, ولنقل (10) عشرة ملايين دينار مثلاً, وتطبيق المعدلات الاعلى ربما بنسبة 40- 45%, على الدخول التي تتجاوز المستوى المذكور.

وبذلك فإن الدولة والمجتمع يطبقان مبدأ التصاعدية بشكل اقرب لمدلوله الدستوري واكثر عدالة بالنسبة لحقوق الدولة من ارباح الشركات التي تعرضت للخصخصة بإسلوب غير متكافئ بين حقوق الدولة وحقوق الشركة. علماً بأن فكرة الضريبة الخاصة العليا سبق ان طبقتها عدة دول في ظروف مختلفة, لا سيما الظروف التي تواجه الدولة بها احوال ضائقة مالية تهدد مواردها المالية وامنها الاقتصادي كما هو الواقع الاردني في الوقت الحاضر.

وغني عن البيان ان في الاردن شركات في وقتنا الحاضر تحقق المئات من الملايين كأرباح لا توزع منها كأرباح للمساهمين الاّ النزر اليسير, وقد يعود معظم الارباح الموزعة لغير المواطنين من الشركات الاجنبية.

ولربما يسارع البعض, ممن يطالع هذه المقترحات, الى القول بأن تطبيق التصاعدية بهذا الاسلوب قد ينعكس سلباً على الاستثمار من قبل غير الاردنيين في الاردن. وانني لأرجو, من كل من سيثير هذه النقطة, النظر في النقاط الآتية:-

(1) ان التشريع الاردني يكفل - من خلال تشريعات تشجيع الاستثمار - بمنح المستثمر الاجنبي مزايا ضريبية واسعة لا ينقص منها اي من المقترحات المذكورة اعلاه. فضلاً عن ان المستثمر في عمليات الخصخصة لم يفرض حسب ما اعلم أية اشتراطات ضريبية على الدولة الاردنية في اي من عمليات الخصخصة التي تمت.

(2) ان المستثمر الاجنبي قد استفاد فعلاً من كل ما هو متاح له من منافذ الربح الجزيل والمضمون في الاقتصاد الاردني, كنافذة خدمات الاتصالات ونافذة خدمات البنوك او نافذة الشركات التعدينية, ولم يبق من النوافذ سوى نافذة السوق المالي الاردني, وهي نافذة لا تشملها ضرائب الدخل على كل حال.

(3) ولربما ان اهم ما في تطبيق اسلوب الضريبة التصاعدية الخاصة هو اصلاح الخلل الأساسي في هيكلية الضريبة المفروضة على المستثمرين الاجانب - فيما بينهم - او المستثمرين الاجانب والمستثمرين الاردنيين فيما بينهم. اذ نلاحظ ان المستثمر الاجنبي الذي يستثمر في خدمات الاتصالات مميز من دون مبرر عن المستثمر الاجنبي في خدمات البنوك, كما نلاحظ ان المستثمر الاجنبي الذي استثمر امواله في شركات التعدين الاردنية (البوتاس الفوسفات والاسمنت) تم تفضيله من خلال ضريبة دخل متواضعة على هذه الشركات باعتبارها شركات صناعية, على المستثمر الاردني الذي استثمر امواله في مشاريع صناعية تحمل درجة اكبر من المخاطرة من الشركات التعدينية. وليس هناك في تشريع ضريبة الدخل الجديد ما يكفل القضاء على هذه التشوهات والاختلالات سوى ادخال مبدأ تصاعدية الربح بشكل واضح وعادل.

(4) ومن الممكن ان تزداد فائدة تطبيق مقترحات تصاعدية الضريبة على الارباح العالية من خلال مقترح اضافي يتعلق بإسلوب استثمار الشركات لأرباحها الفائضة عن التوزيع للمساهمين, وذلك بأن لهذه الشركات اعفاءات خصم ملموسة من الضريبة بالنسبة للاموال التي تفيد استثمارها داخل البلاد, إضافة الى اعفاءات تشجيع الاستثمار المعروفة, او بالنسبة لعملياتها التصديرية بأكثر مما منحه لها التشريع الحالي اذ اقتصر القانون على اعفاءات ضريبية تصديرية بالنسبة للسلع والخدمات التي يمكن اعفاؤها بأنظمة خاصة, في حين ان عمليات التصدير تستحق شمولية واسعة وسخية اكثر من ذلك. ومن شأن هذه المقترحات التي أذكرها على سبيل المثال لا الحصر, ان تضاعف من القدرة التنافسية لمؤسساتنا الصناعية بشكل عام.

هذه ملاحظات عابرة رأيت ان أتطرق اليها بشكل سريع قبل ان احاول التمعن الواسع في احكام القانون التفصيلية, مدركاً ان الحكومة الجديدة لم يتسن لها الوقت الكافي لإدخال تغييرات واسعة على مشروع من الحكومة السابقة في معظمه, مع ابداء تقديري لشخص معالي وزير المالية الجديد الدكتور محمد ابو حمور الذي عرفت عنه وبه من الكفاءَة والمقدرة ما يجعلني أعتقد انه سيبذل قصارى الجهد في ترشيد موازنة الدولة لا عن طريق تحقيق الايرادات الضريبية فقط بل عن طريق محاولة ضبط الخلل الحقيقي والصارخ في الموازنة, وأعني به ضبط الفلتان الانفاقي وترسيخ مبدأ اولويات الانفاق.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات