جدلية التفاؤل والتشاؤم

التفاؤل في بلدنا مهدد بالانقراض ، ولا تكاد تسـتعمل الكلمة إلا في مجال توبيخ وإدانة المتفائلين- إن وجدوا- فالأمور في نظر هؤلاء سيئة وفي طريقها لأن تكون أسـوأ.
منذ عام 1936 أكد كينز أن الثقـة العامة هي أهم عامل في رفع مستوى النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار ورفع معدل النمـو ، ولا أدري كيف يثق متشـائم بالمستقبل.
أحد المراقبين لاحظ أن المعلقين الاقتصاديين في الصحافة الأردنية يقسمون إلى مدرستين: واحدة للتفاؤل تضم كاتباً واحـداً ، وواحـدة للتشـاؤم تضم الجميع باستثناء واحدٍ.
تجاه هذا الوضع الشاذ ، ورغبة في توحيد كلمة المعلقين الاقتصاديين وإزالة التناقض في نظرتهـم إلى الأمور ، قد لا يطول الزمن بالمتفائل الوحيـد قبل أن يكفر بالتفاؤل ، ويلتحق بباقي الزملاء ويشـرب من ماء نهر الجنون.
أفهـم أن تتظاهر حكومة جديدة بالتشـاؤم ، وتتحدث عن سـنة صعبة أمامنا ، لأن ذلك يشـكل عذراً لأي ضعف في الأداء إذا حدث ، ويرفع قيمـة النجاح إذا حدث لأنه يكون قد تحقق بالرغم من الصعوبات والتحديات. ولكني لا أفهـم تشاؤم المعلقين الاقتصاديين ، إلا إذا كان المقصود أن يظهـروا بمظهر الحكماء الذين يرون ما لا يراه الآخرون ، ويمكنهم أن يقولـوا في المستقبل : ألم نقل لكم؟.
في لقاء مع الحكومة السابقة رعاه جلالة الملك ، طالبت الحكومة بأن تبدو متفائلة في العلن لكي تدعم الثقة العامة وتشـجع الحركة والنشاط الاقتصادي ، وأن تكون متشـائمة وراء الأبواب المغلقة فتتوقع الأسـوأ وتتحلى بالحـذر والحيطـة ، وتعمل ما يلزم لمواجهة الصعوبات والتحديات المحتملة.
التفاؤل والتشـاؤم يتشابهان في الانحراف عن الحقيقة الموضوعية ، ولكن باتجاهين متعاكسين ، فالمتشائم يرى الجانب المظلم ويعتقـد أن الأمور أسوأ مما هي في الواقع ، فهو يرتدي نظارة سـوداء. والمتفائل يرى الجانب المشرق ويعتقـد أن الأمور أفضل مما هي في الواقع ، فهو يرتدي نظارة ورديـة.
دعونا نبحث عن المحلل الموضوعي الذي يرى الأمور كما هي ، ويتمتـع بقوة إبصار ممتازة بحيث لا يحتاج لاستعمال نظارة ملونة ، ويرى الإيجابيات للاستزادة منها ، والسـلبيات لمعالجتها وتخفيف آثارها.
في وقت ما قلنا بأن الفرق بين المتشائم والمتفائل أن الأول لديه معلومات أكثر ، ونقول الآن أن لديه معلومات أقل.