إجراءات أميركية لكشف الكراهية

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وجه مثقفون أميركيون رسالة إلى الرأي العام العربي والإسلامي كانت تتعلق بالحرب على الإرهاب وضرورتها وعدالتها، ويومها وقّع الرسالة 60 مثقفاً من المثقفين والأكاديميين ذوي النفوذ في الدراسات الأخلاقية والدين والسياسات العامة في الجامعات الأميركية ومراكز الفكر والمنتديات.
الرسالة كانت تصنف من ضرب \"أدب الحرب\"، ولم تكن تشبهها رسالة سبق أن تورط بها مثقفون في تبرير سياسة الحروب. والمصادر التاريخية في سياق البحث عن ذاك الضرب من أدب الحرب لا تشير إلا إلى ما يسمى بالمطالعة وهي لا توضح المقصود لكنها تفيد أن مطالعة أحد الشيوخ لمّا وصلت لمفتي دمشق العام 1516 \"قرئت وبعدها ضجت الشام\". ولا شك أن ثمة حوارا جرى بين مثقفي الإمبراطورية العثمانية ومثقفي بلاد الشام ومصر عبر رسائل أخرى، لكن الثابت أن هناك نوعا من أدب البشائر الذي صور الدخول العثماني إلى بلاد الشام بأنه فتح جديد.
رسالة مثقفي الإمبراطورية الأميركية لتبرير الحرب تعود اليوم للواجهة بسبب إجراءات الفحص المتشددة التي بدأت تطبقها المطارات الأميركية تجاه مسافري عدد من دول الشرق أوسطية، ومع أن عنوان الرسالة كان \"من اجل ماذا نحارب؟\"، معبرة آنذاك عن صوت أميركا الثقافي تجاه مبررات الحرب على أفغانستان والإرهاب ومسوغاتها عقب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) إلا أن ما يجري اليوم يؤكد أن التبرير والإقناع في جدوى الحرب لم يقطف ثماره، وأن الإحساس بتنامي الكراهية نحو أميركا يتضاعف.
ما كان يعتبر قبل سنوات على أنه انتصار ثقافي بالغ الأهمية للحرب، يدفع المفكرين والأدباء الأميركيين إلى التوجه إلى من هم خارج الولايات المتحدة لإقناعهم بغايات دولتهم السياسية، فإنه يؤكد أنه ومع وجود الرئيس باراك أوباما فإن الحال لم يتغير وأن الكراهية باطراد.
التفتيش بعمق على كل مسافر بما يقتحم جسد الداخل لأميركا لن يهرب منه أحد من جهة الدول المستهدف زوارها، لكنه يؤكد أيضا الفشل الأميركي في تحقيق نصر أو فتح امبرطوري ينهي وصول الغزاة أو البرابرة الذين توقعهم فرانسيس فوكاياما في كتابه نهاية التاريخ.
مضمون الرسالة المشار إليها أعلاه تحدث عن الغاية الأخلاقية التي تبرر الحرب، وهي حرب شنت على دول المنطقة بأكملها، ويومها كانت القاعدة في بلد أو بلدين أو ثلاثة بالأكثر، اليوم بات الوضع معقدا وفرخت القاعدة أجيالا وساحات جديدة، وما يحدث اليوم من تفتيش معمق يؤكد فشل ما ذهبت إليه الإمبراطورية.