أقبل ولا تخف !

يقول ابليس: العجب من بني ادم. يُحبون الله ويعصونه ، ويبُغضونني ويُطيعونني. واذا كان هذا القول منسوبا لابليس ، صحيحا ، ففيه قمة الحكمة التي يفتقدها البشر ، اكثرهم ، اليوم.
اكثر البشر يعصون الله ، في افعالهم ، والعصيان انواع ، فهناك من يعصي تحديا ، وهناك من يعصي ضعفا وخطأ ، والفرق بين الامرين واضح. اسوأ انواع المعاصي ما جاء من باب التحدي او الظن ان عين الله تنام. قيل ذات مرة في القديم من الكتب.. في لوم الله لاحد العابدين الذين عصوه ، وذهب الى مكان بعيد ومُظلم ومُستتر عن عيون البشر.. قيل له "جعلتني اهون الناظرين اليك" اي انك خفت من رؤية البشر لمعصيتك ، فهربت عن عيونهم ، وجعلت الله اهون من ينظر اليك ، لانك تعرف انه يراك اينما كنت ، وبرغم ذلك لم تخف منه ، خفت من غيره ، واعتبرت نظره اليك ومعرفته امرا عابرا وعاديا،،.
العصيان امر طبيعي في حالات. ما هو مهم هو ان يتوقف الانسان ذات لحظة عن العصيان. ان لا يستمر. والحل السماوي سهل جدا. التوبة والتوقف ، والتوقف بحد ذاته امر عظيم. كثرة تعصي الله وتقول اذا تبت فما الفائدة ، ذنوبي كثيرة ، وكيف سيغفر الله لي؟ وهو اتهام لله في كلامه بأنه بخيل ولا يغفر ، وهو ظن اسوأ من ذات الذنوب المرتكبة في هذه الحالة ، لانه يخاطب ربه باعتباره بخيلا ، ولا يسامح ، واسماء الله ، اغلبها مشتقة من الرحمة والصبر والرأفة والكرم والجود والمغفرة. انين العاصي الذي يخاف من الله في حالات فراغه من المعصية ، احسن من صوت الطائع المرتفع الفخور الواثق بأن الجنة بين يديه. الاول وقف على مقام الخوف والرجاء والاعتقاد ان الله قهار قوي منتقم ، اما الثاني فقد وقف في مقام الرياء والفخر والكبر وسرقته اعماله وغرته. العاصي عليه ان لا يُعقد اموره ، فليس للعرش حتى بوابات لطرقها. العرش مفتوح للعائدين والتائبين ، المُنكسرة قلوبهم بيني يدي الله.
قيل في احدهم انه امضى نصف حياته طائعا عابدا ، وامضى النصف الاخر عاصيا متجبرا ، وحين جاءت لحظة صمت حاسب فيها نفسه ، قال في صدره ان الله لن يقبله بعد كل هذه المعاصي ، فقيل له.. "اطعتنا فأحببناك ، وعصيتنا فصبرنا عليك ، واذا عدت الينا قبلناك ، واذا عدتم عدنا". هذه هي المعادلة ببساطة ، الله كتب على نفسه الرحمة ، وزرع القوة والضعف في الانسان ، وادخله في هذا الامتحان ، وبقي يرقبه في كل لحظة. الصُلحة لمحة. الصُلح مع الله يتم في لمحة ، برق ينزل على القلب. لحظة تُصالح فيها ربك تجب ما قبلها ، من ذنوب. فالمهم ان يتوقف المرء عن العصيان ، ويتوب ، وان يعمل عملا صالحا ، ليمحو ذنوبه بيديه. الله لم يخلق البشر ليعذبهم ، امد لهم في اعمارهم ايضا حتى يعطيهم الفرصة تلو الاخرى ، ليعودوا اليه. الحبيب ينتظرك وانت تُشيح بوجهك. لماذا تُشيح بوجهك ، وانت تمر كل يوم قرب القبور ، وتعرف ان هنا رجال ونساء ، كانت لهم قصص وحكايات وعواطف وامال وحروب صغيرة وكبيرة ، واموال وعقارات. لكنهم تركوا كل هذا ، ورحلوا.
الحبيب ينتظرك وانت تُشيح بوجهك وقلبك عنه. الحبيب ينتظرك. سيدك ومولاك ، السيد ينتظر العبد ، والعبد مُتكبر ، يقبلك كيفما كنت.. ابيض.. اسمر ، طويلا.. قصيرا ، غنيا.. فقيرا. هل مثل هذا الحبيب تجد حبيبا في الدنيا. حبيب الدنيا مُتطلب ومُتقلب. حبيب الدارين يقبلك بكل ضعفك وجهلك وفقرك وغناك وقوتك ، ما دام قلبك طاهرا ، ولا احد فيه سوى الواحد الاحد الفرد الصمد ، وهو لا يُصّعب عليك شروط العودة.. هو بانتظارك ، في اي لحظة واي مكان. فقط قُم من مكانك المظلم ، ويمم قلبك نحوه. اذا كان الله يسامحك على معاصيك ، فهل لا تُسامح نفسك ، وتبقى مستغرقا بكلفة ذنوبك الكبيرة والصغيرة ، بذريعة ان الله لن يسامحك. اقبل.. اقبل ولا تخف انك من الامنين في كنف الله.
جمعة مباركة.
mtair@addustour.com.jo