هل المفاوضات مجمّدة حقا؟!

فيما نحن منصرفون لمتابعة عملية "عض الأصابع" و"شد الحبال" بين الرئاسة الفلسطينية من جهة وكل من حكومة نتنياهو وإدارة أوباما من جهة ثانية حول "تجميد الاستيطان واستئناف المفاوضات" ، تجري خلف الكواليس أكبر "عملية إلهاء وتضليل" على ما يبدو ، فالمفاوضات جارية بين الجانبين مباشرة وعبر الوسيط الأمريكي ، وعملية رسم الخرائط وتحديد المناطق المرشحة للتبادل متواصلة ، وعندما تنضج "الطبخة" سيطلع علينا الوسيط الأمريكي بمفاجأة من العيار الثقيل ، وفقا لمصادر عدة.
خلاصة القول ، أن لا شيء متوقف على الإطلاق ، لا المفاوضات توقفت فعليا ، ولا الاستيطان توقف ، المفاوضون الفلسطينيون يبحثون تحت جنح "القنوات الخلفية" في مختلف المواضيع مع نظرائهم الإسرائيليين ، وجرافات الاستيطان تأكل بأنيابها الحادة الأرض والحقوق والعاصمة والمقدسات ، أما "شرط تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات" ، فيبدو معدا للاستهلاك المحلي ، ومخصصا لمحو آثار أو لتفادي تكرار ، "فضحية جولدستون" التي ما زال صداها يتردد برغم التكتم على تقرير لجنة التحقيق التي شكّلت للنظر في "التقصير" وتحديد هوية "المقصّرين" ومحاسبتهم.
طبعا لن نعرف شيئا أبدا من مصادره الفلسطينية والعربية ، ما يضطرنا للجوء إلى المصادر الأمريكية والإسرائيلية بخاصة ، وهي غالبا لا تخذلنا ، خصوصا عندما يتعلق الأمر بـ"أفعال سيادية" تقوم بها "سلطة الحكم الذاتي المحدود" أو "الشقيقة الكبرى" ، فنحن اليوم بتنا نعرف أكثر عن أسباب رضوخ الرئيس عباس لطلب إسرائيل تأجيل مناقشة تقرير جولدستون والتصويت عليه ، و"شكرا" للصحافة العبرية التي كشفت فحوى تهديدات ديسكن لرئيس السلطة ، ونحن علمنا بأنباء "الجدار السيادي" الذي يراد له وبه ، خنق غزة وخنق حماس في غزة ، بفضل صحيفة هآرتس التي كان لها قصب السبق في هذا المضمار ، وثمة الكثير من الأخبار والأنباء التي نقرأها لأول مرة بـ"لسان عبري مبين".
ووفقا لهذه المصادر ، فإن السيد ميتشيل يعكف على وضع خريطة الدولة الفلسطينية العتيدة ، وهو يجري محادثات مكثفة مع مجموعتي عمل ، فلسطينية وإسرائيلية ، معتمدا على آخر ما توصلت إليه مفاوضات عباس - أولمرت ، وقريع - ليفني ، حتى أن محادثات ترسيم الحدود هذه ، والتي تستند مبدئيا إلى خط الرابع من حزيران ، مخصوما منه ، ومضافا إليه ، تلك الأراضي التي سيجري تبادلها بين الطرفين ، ويعمد المفاوضون من مختلف الأطراف إلى "بناء سيناريوهات" حول تبادل الأراضي ، بصورة تأخذ بنظر الاعتبار "الأمر الإسرائيلي الواقع" و"حاجات إسرائيل الأمنية والدفاعية" ، وحاجة الدولة العتيدة للتواصل و"قابليتها للحياة".
لم تفصح المصادر بعد عن الشوط الذي تم قطعه في هذه المفاوضات ، ولا نعرف ما مصير مناطق فلسطينية حساسة من نوع الكتل الاستيطانية الكبرى ، غور الأردن ، القدس الشرقية والأحواض المائية ولا أين تقع على خرائط المفاوضات والمفاوضين ، لكننا نتوقع أن تتجه "قرون استشعار" الصحافة ووسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية ، إلى تقصي المزيد من المعلومات والحقائق ، فالقصص تبدأ هكذا ، خبر أو تقرير ينشر في صحيفة إسرائيلية تبني فوقه الواشنطن بوست والنيويورك تايمز ، وتتبعهما صحف لندن وباريس وبرلين ، لتصبح لدينا "الصورة كاملة" ، ألم يحدث ذلك عشرات المرات من قبل ، أليس هذا ما حصل في حكاية "السور الفولاذي ـ السيادي" لأسابيع خلت؟،.
قبل أيام صرّح الرئيس عباس بأن المفاوضات لا تحتاج لأكثر من شهر كي تنجز أهدافها إن خلصت النوايا والإرادات ، ولا أدري من أين يأتي رجل بخبرة الرئيس عباس بكل هذا التفاؤل ، وهو الذي خاض مفاوضات لأكثر من 19 عاما مع الإسرائيليين من دون جدوى ، أللهم إلا إذا كانت لديه معلومات عن تقدم أو اختراق في "قنوات التفاوض الخلفية" ، خصوصا في ملف الحدود ، عندها سنكون وقعنا ضحايا أكبر عملية خداع وتمويه في تاريخ "التفاوض العربي الإسرائيلي" ، أقله منذ أوسلو.