هل يفقد البرلمان مبررات وجوده ؟

تم نشره الأحد 09 كانون الثّاني / يناير 2011 01:18 صباحاً
هل يفقد البرلمان مبررات وجوده ؟
فهد الريماوي

بعكس الولايات المتحدة، راعية الحرية وحامية حقوق الانسان، التي رفضت وماتزال ترفض منحي تأشيرة دخول لزيارة احفادي هناك•• استجابت السلطات القطرية لطلب تقدم به احفادي في الدوحة لاستخراج تأشيرة دخول لي ولجدتهم لغرض التزاور والتواصل الاجتماعي، ضمن برهة زمنية تقل عن عشرة ايام، وليس لها ادنى علاقة بالسياسة او الاعلام•
الطقس في قطر مدهش هذا الاوان، فلا حر ولا قر•• والمزاج العام للناس هنا رائق ومشوب بمشاعر الانتصار في حكاية المونديال•• والاماكن السياحية والتراثية والعمرانية التي زرناها جميلة ومخدومة ومثيرة للاهتمام، خصوصاً القرية الثقافية و "سوق واقف " التراثي الذي اعيد ترميمه بأسلوب دقيق وشفاف، ليشكل جسراً معنوياً يصل ما بين الذاكرة والحاضر•
غير ان اجمل وافضل ما في هذه الرحلة القطرية، انها ابعدتني عن مراثون الخطابات النيابية في جلسات الثقة بحكومة الرفاعي، ثم عن كارثة الاقتراع التي اسفرت عن انتحار 111 صوتاً على قارعة هذه الثقة التي لا بد انها اقضّت مضجع المرحوم سيبويه، وحملته على البحث عن معنى جديد لهذه الكلمة المعذبة والممنوعة من الاعراب•
مؤكد ان الكثيرين في الوطن الاردني قد كتبوا بمداد الدهشة والفجيعة حول هذه الكارثة، فقد قرأت في الصحافة القطرية مقتطفات من بعض هذه الكتابات•• غير ان الكتابة المضادة لمثل هذا الرقم الفلكي من اصوات الثقة، يجب ان تشكل "فرض عين " على كل حامل قلم اردني، حتى لا تمر هذه الكارثة مرور الكرام، وتمثل سابقة يمكن الاقتداء بها والنسج على منوالها•
هذه الثقة المتضخمة والمتورمة لا تليق بالمانحين او الممنوحين، بل لعلها تشكل افراطاً وتفريطاً ومبالغة غير مبررة، وتعتبر -بكل المقاييس- خروجاً من ميدان السياسة الرصينة الى ملاعب الهزل والتهاون والمجاملات الفارغة وتسديد الفواتير الانتخابية•• ذلك لأن ابسط اللياقات والادبيات السياسية تقضي بتقنين شرعية الثقة ضمن اضيق الحدود، ووزنها بموازين الذهب، ووضعها في نصابها الدقيق والسليم•• وليس تبديدها كيفما اتفق كما لو انها عملة ورقية زائفة بلا رصيد، او اسهم وهمية بغير اسانيد•
قيمة الثقة النيابية لا تنبع من كمها بل من كيفها•• لا من عددها بل من نوعها•• لا من بريقها وبهرجها بل من جوهرها ومضمونها المفترض ان يحفل بالحقائق والمواقف والحيثيات والاعتبارات الوطنية، وبغير ذلك تفقد الثقة قيمتها ومصداقيتها، وتتحول الى لعبة مزاجية او هدية مجانية تربط مباشرة ما بين المانح والممنوح، دون ان يكون للوطن والمواطن اي دخل فيها او دور او اعتبار•
ذات عام قريب فازت حكومة ابو الراغب باعلى ثقة برلمانية في تاريخ الحكومات الاردنية، ويومها قامت قيامة الاعلام الموالي ولم تقعد، غير اننا مع قلة من اصحاب الاقلام المحترمة قلنا -في حينه- ان هذه الثقة قد اساءت للنواب ولكنها لن تُحسن للحكومة، ولن تقوى على تغطية الآثام الحكومية التي استفحلت وتمثلت في اشرس قوانين واجراءات القمع والبطش والضرائب والجمارك•• وها هي تلك الحكومة الكريهة قد دخلت التاريخ الاردني من بوابته العرفية والتعسفية، دون ان تتمكن تلك الثقة العرمرمية غير المسبوقة من تستير عوراتها•
ليس في صالح الوطن ان تتماهى السلطة التشريعية مع التنفيذية، او تخضع لها وتغدو واحدة من مؤسساتها وتوابعها، نظراً لأنها ستفقد ما تبقى لها من رصيد شعبي او حيز دستوري، او تمثيل للناس الذين سيحاولون البحث لانفسهم عن ممثل يمثلهم، ولو من خارج السلطات الدستورية الثلاث، شأن الجاري في مصر حيث توافق المواطنون هناك على انتخاب برلمان موازٍ للبرلمان الحكومي الذي تشكل مؤخراً بقوة التزوير، وليس بفعل الجماهير•
ولعل من المفيد تذكير الجميع في هاتين السلطتين ان حل المجلس النيابي السابق قد جرى على خلفية ضعف ادائه، وفقدانه لدوره ووظيفته، والتصاقه اكثر مما يجب بأذيال حكومتي البخيت والذهبي، ناهيك عن عدائه السافر للسلطة الرابعة من صحافة واعلام حر، وتحالفه مع الحكومات ضد حرية التفكير والتعبير واستقاء المعلومة•
هناك قاعدة ذهبية معروفة جيداً على صعيد العالم كله، ومفادها انه كلما اقتربت السلطة التشريعية من التنفيذية، وابتعدت عن السلطة الرابعة (الصحافة) وقع الخطل، وتفاقم الخلل في الاداء السياسي العام•• وكلما حدث العكس، وتحالفت السلطة التشريعية مع الصحافة والاعلام، وابتعدت عن السلطة التنفيذية، او الحكومية، استقامت الاوضاع الوطنية، واتجهت بوصلة الاداء العام نحو الصواب والرشاد والمنطق الدستوري الذي جعل من البرلمان رقيباً وحسيباً على الحكومة، وليس تابعاً طيعاً لها•
ليست الصحافة الورقية والالكترونية في وارد تشويه وتجريح المجلس النيابي، فهو بصرف النظر عن رأينا في انتاجه، اكثر المؤسسات الرسمية قرباً من نبض الشارع، وهو ابعدها مصلحة عن قمع الحقوق والحريات العامة•• ولكن الصحافة تحاول في تعاملها معه ان تزاوج بين النقد والنصح، بغرض اثراء الاداء، وتصويب المسار، وترشيد التجربة، وتخليق القواسم المشتركة بين جناحي الحرية في التشريع والتعبير•
بغير التعبير عن نبض الشارع، والتحالف مع السلطة الرابعة (الصحافة) لا يعود المجلس النيابي سيد نفسه، بل يصبح عبئاً على نفسه، وغريباً عن دوره، ومقصراً في صنع قراره، وصون استقلاله، واثبات مبرر وجوده•• شأن ما حدث للمجلس السابق الذي لم يتورع عن منح حكومة الذهبي ثقة هائلة لعلها شكلت -فيما بعد- المسمار الرئيسي في نعشه•
بعدما زلزلت الانتخابات النيابية الاخيرة زلزالها، وشهدنا حجم التزوير والتقصير والمتاجرة والسمسرة والعنف الذي اكتنفها، كتبنا في هذا المكان مقالاً بعنوان•• "هل فقدت الانتخابات النيابية وظيفتها ؟ "، تساءلنا فيه ان كانت الانتخابات قد فقدت دورها واهميتها ولزوميتها، وتحولت تحت وطأة التزوير والتمرير والتدليس والتدخل السريع، من مهمة وطنية ووسيلة ديموقراطية الى حفلة تنكرية او مسابقة تلفزيونية او مباراة كرة قدم منزوعة الدسم السياسي والانتماء الوطني والعمق الشعبي•• فهل يأتي يوم يضطرنا ان نكتب مقالاً بعنوان•• "هل فقد البرلمان مبرر وجوده ؟ "•
نكتفي اليوم بمجرد طرح هذا السؤال، ولكن اذا بقي الحال البرلماني على هذا المنوال، فقد نطرح مستقبلاً فكرة تجميد السلطة التشريعية، والغاء الحياة البرلمانية مثلما كان عليه الحال منذ عام 1967 حتى 1984، ولتحكم الحكومات بشكل سافر ومباشر ودونما مظاهر تمثيلية خادعة، وهياكل ديموقراطية فارغة•• ويا دار ما دخلك شر !! ( المجد )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات